ويدفعه: أن ظاهرهم كون اعتبار الامتياز وجودا وعدما، والتعليل به في صورة الحكم بعدم الطهر وارد في كلامهم أيضا لتوهم كونه مساوقا لعدم الوحدة، وكون زواله مساوقا للوحدة وإلا فالحكم منوط بالوحدة، ألا ترى أن الشهيد في أول كلامه في العبارة المتقدمة منه في الذكرى علل الحكم بعدم الطهر لمجرد الوصل بالتمييز، المقتضي لاختصاص كل بحكمه؛ ثم قال: " ولو نبع الكثير من تحته - كالفوارة - فامتزج طهره لصيرورتهما ماء واحدا " (1) وهذا كالصريح في أن اعتبار الامتزاج وإن كان لإحراز عدم التمييز بين المائين غير أن عدم التمييز مساوق للوحدة التي هي مناط الحكم، وإلا لزم كون تعليله بصيرورتهما ماء واحدا تعليلا للحكم المعلق على الخاص بالعام كما لا يخفى وهو قبيح.
وقد عرفت في المسألة السابقة عن المحقق أن تعليله بقوله: " لأنه ممتاز عن الطاهر " (2) إنما هو في موضع حكم فيه على الماء بكونه كالماء الواحد، المقتضي بظاهر التشبيه انتفاء الوحدة الحقيقية؛ فغرضه من اعتبار الممازجة التي لا تتأتى مع الامتياز إنما هو إحراز كون المائين ماء واحدا بعنوان الحقيقة، لعدم كفاية مجرد كونهما كالماء الواحد هنا كما كان كافيا في حكم عدم الانفعال المنوط بصدق عنوان الكرية دون صدق عنوان الوحدة الحقيقية، كما تقدم شرحه مفصلا.
نعم في عبارة العلامة - المتقدمة عن التذكرة - (3) ما ربما يوهم كون الحكم بعدم الطهارة مع عدم الممازجة واردا فيما يعم صورتي صدق الوحدة وعدمه؛ بناء على أن قوله: " فلو كان أحدهما نجسا فالأقرب بقاؤه على حكمه مع الاتصال؛ وانتقاله إلى الطهارة مع الممازجة " ابتداء كلام في مسألة الغديرين الموصول بينهما بساقية شامل لكلتا صورتي اعتدال الماء ومساواة سطحه، المقتضي لاتحاد المائين، وعدمهما المقتضي لعدم الاتحاد وارد على خلاف حكم التقوي والاعتصام عن الانفعال الذي فصل فيه بين صورتي الاعتدال المقتضي لكون كل من الغديرين متقويا بالآخر فلا يطرأهما الانفعال، وعدمه المقتضي لاختصاص التقوي بالأسفل دون الأعلى الذي يلزم منه انفعال الأعلى بملاقاته النجاسة لو نقص عن الكر، فإطلاق الحكم ببقاء النجس على حاله عند عدم الممازجة من غير تفصيل الشامل للصورتين معا مما ينفي كون العبرة في مسألة التطهير