وأما القول بعدم الاعتبار مطلقا، فمستنده وجوه:
منها: الأصل الذي حكي التمسك به عن بعض الأفاضل، والظاهر أن المراد به أصالة عدم الشرطية.
واجيب عنه: بأن الأصل يقتضي النجاسة، وكأن المراد به استصحاب النجاسة.
ووجهه: أن تطهير الماء بعد تيقن النجاسة حكم ورد من الشارع على خلاف الأصل، ومن البين أن كل حكم مخالف للأصل يجب الاقتصار فيه على القدر اليقيني الرافع منه لموضوع الأصل، وقضية ذلك القول بمدخلية كل ما يشك في مدخليته معه، ومنه الامتزاج في خصوص المقام تحصيلا للرافع اليقيني للنجاسة.
ولكن يشكل ذلك أولا: بأن التمسك باستصحاب النجاسة هنا إنما يستقيم لو كان النزاع في أمر تعبدي وقد عرفت منعه بما لا مزيد عليه، لرجوع الكلام إلى تحقق موضوع الطهارة وهو الوحدة بدون الممازجة وعدمه، ونحن في علم بتحققها بدونها ومعه لا يعقل الاستصحاب.
ويمكن دفعه: بأن هذا إنما يتجه إذا اريد بالوحدة في موضوع الطهارة ما يكون كذلك في نظر الحس، ولم لا يجوز أن يراد به ما هو كذلك في نظر العرف؟
وبعبارة اخرى: ما يصدق عليه الماء الواحد حال الاتصال عند العالم بالحال والجاهل بها، ومجرد الاتصال غير كاف في ذلك، لأن أقصى ما فيه صدق الوحدة عند الجاهل؛ وأما العالم فلعلمه بسبق الانفصال وطرو الاتصال لا يحسبه من الماء الواحد إلا بعد المداخلة وتحقق الممازجة وهو المراد بالوحدة العرفية، لأنها عبارة عما لا يختلف العرف في وصفه بالوحدة، وإليه يشير تعليلاتهم المتقدمة بالامتياز، فالوحدة بهذا المعنى إن لم يتيقن دخولها في معقد الإجماع فلا أقل من احتمال دخولها فيه، فيكون المقام من مورد الاستصحاب.
وثانيا: أن التمسك بالاصول إنما يصح إذا لم يكن في المقام أصل موضوعي رافع لموضوعها؛ ولا ريب أن الشبهة راجعة إلى موضوع حكم المطهرية التي أثبتها الشارع، والاستصحاب لا يتعرض لذلك الموضوع نفيا وإثباتا وإلا كان أصلا مثبتا؛ وقد دل الإجماع على قيام المطهرية بالكر الملقى المتصل مع الماء المتنجس، وحصل الشك في مدخلية