العلامة في المنتهى (1) ويشكل ذلك من حيث إنه في الكتاب المذكور صرح بكون النزح الوارد عن الأئمة (عليهم السلام) تعبدا، مع تصريحه عند الفراغ عن بحث المنزوحات: " بأنه لا يجب النية في النزح، ويجوز أن يتولى النزح البالغ وغيره، والمسلم وغيره مع عدم المباشرة، للمقتضي وهو النزح السالم عن معارضة اشتراط النية " (2).
وهو كما ترى خلاف المعنى المصطلح عليه في الواجب التعبدي. ولكن يدفعه: أن إطلاق التعبد هنا ليس باعتبار المعنى المصطلح عليه، بل معناه: أنه شئ يلتزمه المكلف ويثبت عليه ويستقر في ذمته لأجل ما فيه من وصف العبودية، كما صرح به الفاضل عند الاستدلال على ما ادعاه من عدم وجوب النية بقوله: " لعدم الدال (3) على الوجوب، ولأنه ليس في نفسه عبادة مطلوبة، بل معنى وجوب النزح عدم جواز الاستعمال إلا به، لأنه مستقر في الذمة فجرى مجرى إزالة النجاسات ". (4) وقضية هذه العبارة كون النزح المعتبر على حد الواجبات التوصلية، التي لا يتوقف الخروج عنها على المباشرة النفسية ولا نية القربة، بل قضية العبارة أن إطلاق الوجوب هنا أيضا ليس على معناه المصطلح عليه، وهو الطلب الحتمي الذي يستتبع مخالفته استحقاق الذم والعقوبة، بمعنى أنه ليس هناك طلب حتمي متعلق بالنزح نفسه ليكون بنفسه مطلوبا لذاته أو للغير، بل معنى وجوبه أنه يحرم استعمال الماء بدونه، فهو مما يتوقف عليه إباحة الاستعمال وارتفاع الحرمة، فيكون شرطا للإباحة، وهو المراد بكونه مستقرا في الذمة، على معنى أن من أراد استعمال الماء على وجه مباح وهو لا يتأتى إلا بعد النزح، فذمته مشغولة بالنزح.
فمعنى كونه جاريا مجرى إزالة النجاسات، أنه نظيرها في اشتغال الذمة المتوقف رفعه على حصول المشتغل به في الخارج كيفما اتفق، لا أنه نظيرها في جميع الجهات، وإلا فهي مع ما ذكر واجبة بالمعنى المصطلح عليه وإن كان وجوبها للغير، وهو الأمر النفسي مشروط بالطهارة.
فتبين من جميع ذلك: أن الوجوب المدعى هنا ليس هو الوجوب النفسي التعبدي، ولا الوجوب النفسي التوصلي كدفن الميت ومواراته، ولا الوجوب التوصلي الغيري