أن النوع الواحد من النجاسة لا يعقل أن يختلف أفراده في اقتضاء بعضها من المطهر ما يزيد على ما اقتضاه الآخر بمراتب شتى، ولو فرضناها متساوية في الوصف والمقدار، ولازم قولهم بالانفعال هو الاختلاف، نظرا إلى ما سيأتي في ذيل مسائل النزح من أن " الدلو " الوارد في الروايات محمولة عندهم على ما جرت العادة باستعماله في شخص البئر، ولا ريب أنه يختلف في الصغر والكبر، وقد اعتبر في النزح عن بول الرجل مثلا أربعون دلوا بما هو متعارف على البئر التي وقع فيها البول، والمطهر إما الماء المتجدد، أو نفس النزح، وعلى التقديرين يلزم الاختلاف لو فرضنا آبارا متعددة وقع في كل منها من أفراد بول الرجل ما هو بوصف واحد، ومقدار واحد.
أما على الأول: فلأنه قد يبلغ مجموع أربعين دلوا إلى الكر وما فوقه، وقد يبلغ إلى نصف الكر، وقد يبلغ إلى ثلثه، وقد يبلغ إلى ربعه وهكذا، ومنشأ ذلك الاختلاف إنما هو اختلاف دلاء هذه الآبار في الكبر والصغر، فرجع حكم النزح حينئذ إلى أن يقول الشارع: ماء هذه البئر لا يطهر إلا بكر من الماء، وماء هذه الاخرى يطهر بنصف الكر، ولا يطهر بما دونه، وماء هذه الثالثة يطهر ثلثه و لا يطهر بما دونه مع أن النجاسة الواقعة في الكل هو البول على مقدار واحد في وصف واحد، ومثل هذا الحكم حزازة لا ينبغي نسبتها إلى جاهل، فضلا عن الحكيم العادل.
وأما على الثاني: فواضح، أو يتضح بملاحظة ما ذكرناه على الأول.
وأما القول بالانفعال مطلقا: فليس عليه إلا وجوه واضحة الدفع، غير واضحة الدلالة في أكثرها.
منها: أنه يقبل النجاسة بالانفعال فيقبلها بالملاقاة، حكاه العلامة في المختلف (1) فأجاب عنه أولا: " بأنه قياس لا نقول به، وثانيا: بإبداء الفارق بين حالتي الانفعال وعدمه، فإن الماء حالة الانفعال مقهور بالنجاسة، فيبقى الحكم وهو الامتناع من استعماله ثابتا وفي حالة عدم الانفعال كان الماء قاهرا فيبقى حكم الماء وهو استعماله ثابتا، ومع قيام الفرق بطل القياس، وثالثا: أن المشترك غير صالح للعلية، لوجوده في