أحكام الشرع لا تقاس بالعقول القاصرة، وإلا كان اللازم عدم طهر المتنجس بالغسل بناء على نجاسة الغسالة كما هو التحقيق، إلا أن يقال: إن طهر المتغير بمجرد زوال التغير، أو به مع ضميمة النزح، أو بهما مع ضميمة وجود المادة، لا يجتمع مع قبول الغير المتغير منه المتجدد من المادة للانفعال بمجرد الملاقاة، بعد ملاحظة أن الملاقاة الموجبة للانفعال أعم من ملاقاة النجاسة وملاقاة المتنجس، فإن المتجدد من المادة حين زوال التغير ملاق للماء وهو متنجس، والمفروض أنه ليس له قوة عاصمة عن الانفعال، فإما أن يقال: بطهر الجميع بالزوال، أو يقال: بعدم طهر شئ منها، أو يقال: بطهر المتغير دون غيره، والثاني بموجب الرواية، وكذلك الثالث لاستحالة اختلاف الماء الواحد في سطح واحد في وصفي الطهارة والنجاسة، فتعين الأول. فإذا كان المتجدد عن المادة محلا لحدوث الطهر فيه بزوال تغير غيره، فلأن يكون محلا لبقاء طهره عند انتفاء التغير رأسا، وقضية ذلك: عدم انفعاله رأسا حتى بملاقاته المتغير، وليس ذلك إلا من جهة أن له قوة عاصمة وليست إلا المادة، ولا يخفى أن الاستدلال بهذا الوجه تمام لولا رجوعه إلى استنباط العلة، فليتأمل.
وخامسها: الروايات النافية للبأس عن البول في الماء الجاري، كرواية سماعة قال:
" سألته عن الماء الجاري يبال فيه؟ قال: لا بأس به " (1)، ورواية ابن بكير عن أبي عبد الله قال: " لا بأس بالبول في الماء الجاري " (2) ورواية الفضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري، وكره أن يبول في الماء الراكد " (3) ورواية عنبسة بن مصعب، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول في الماء الجاري؟ قال: لا بأس به إذا كان الماء جاريا " (4).
ورد الاستدلال بها: بأنها واردة في حكم البول في الماء، لا في حكم الماء بعد البول، فلا يستفاد منها إلا حكم تكليفي وهو جواز البول في الجاري، وهو ليس مما نحن فيه ولا مستلزما له، حيث لا منافاة بين إباحة ذلك الفعل وانفعال الماء به.
وقد يفصل فيها بجعل الرواية الاولى من أدلة المقام، لظهورها في السؤال عن الماء