والمناقشة فيه: بأن تعليل زوال التغير بوجود المادة مع خفائه وانتفاء الحاجة إليه - لكون التغير من الامور المحسوسة الظاهرة - ليس من الوظائف الشرعية المطلوب بيانها من كلام الأئمة، فلا يحمل الحديث عليه - كما عن السيد الطباطبائي في مصابيحه (1) - وقريب منه ما في الحدائق (2) وغيره.
يدفعها: أن ذلك مما لا غرابة فيه، بل هو بنفسه احتمال ظاهر لا خفاء فيه، بعد ملاحظة أن الإمام (عليه السلام) حين ما ادعى الملازمة بين النزح وزوال التغير استفاد من الراوي إستبعادا في تلك الملازمة، فأتى بالعلة المذكورة رفعا لذلك وتحقيقا لتلك الملازمة، أو دفعا لما عساه يتأمل بعد ذلك فيها، ولا ريب أن ذلك مما لا ينافي وظيفة الإمامة بعد ما حصل له المقتضي، وإنما لا يحمل كلام الأئمة على نظائر هذه الامور إذا لم يقم عليه مقتض، كما أن المقام كان من مظان الاستبعاد والتأمل المذكورين، بملاحظة طرو عدم الالتفات إلى تجدد الماء من المادة عقيب نزح المتغير منه شيئا فشيئا، فينشأ منه مقايسة ذلك على ماء الحوض أو البئر الغير النابع، أو الغدير أو غيره المتغير بالنجاسة أو غيرها، حيث إنه لا يخرج عن كونه متغيرا بالنزح بالضرورة والعيان، بل هو كلما نزح كان الباقي منه على تغيره إلى أن لا يبقى منه شئ، كما لا يخفى، والتعليل ورد لبيان أن ماء البئر ليس من هذا الباب، بل النزح فيه يوجب زوال التغير من جهة وجود المادة، الموجبة لتجدد جزء من الماء الغير المتغير مكان ما نزح من المتغير، وهكذا إلى ما لا يبقى معه من المتغير شئ، أو يستهلك في جنب المتجدد إن بقي منه شئ، فالمراد بذهاب الريح وطيب الطعم حقيقة إنما هو فراغ البئر عن المتغير لا زوال مجرد الوصف مع بقاء العين، فإنه غير معقول مع تحقق النزح.
وقد يوجه الاستدلال على نحو يستلزم المطلوب، فيقال: إن قوله: " لأن له مادة " علة لأصل الحكم، وهو عدم فساد الماء بدون التغير، أو له ولطهره بزواله المفهوم من قوله: " فينزح حتى يذهب الريح "، أو للأخير خاصة على بعد، وعلى التقادير فالحكم المعلل بالمادة يطرد بوجودها في غير مورد التعليل، لأن العلة المنصوصة حجة كما