فائدة، أو يقال: بأن العبرة في النجاسة بتحقق أسبابها في متن الواقع لا العلم به، فالنضح معتبر لإزالة ذلك الأمر الواقعي لا لسد طريق العلم به، وأيا ما كان فهو باطل جزما.
ومن هنا ينقدح وجه آخر لإبطال هذين الوجهين، من حيث ابتنائهما على كون النجاسة من الموانع الواقعية دون العلمية وهو فاسد بالأدلة القطعية، وقد أشرنا إليه في غير موضع مما سبق، ولعلنا نتعرض لتفصيل تحقيقه في موضع يليق به.
ومن جملة فقرات الصحيحة المتقدمة، أنها دلت على اعتبار غسل الرأس ومسح الجلد في الغسل، وغسل الوجه مع مسح الذراعين في الوضوء، وقد استشكل في ذلك بعض أصحابنا كصاحب الحدائق قائلا: " بأن هذا الخبر قد اشتمل على جملة من الأحكام المخالفة لما عليه علمائنا الأعلام " (1) ثم ذكر من جملة ذلك الحكمين المذكورين.
ويمكن الذب عنه: بأن المسح هنا استعارة لأقل ما يقنع به من الماء واستعماله في صورة خشية عدم الكفاية، وبعبارة اخرى: المراد به هنا الاكتفاء بأقل ما يحصل به الواجب من أفراد الغسل، لا المسح الحقيقي المقابل للغسل، والقرينة عليه ما ادعاه من عمل علمائنا الأعلام إن رجع إلى الإجماع، لأنه يصلح قرينة على التجوز، كما يصلح قرينة على التخصيص وغيره، بل ولو رجع إلى نقل الكاشف لكان كافيا في ذلك، لأن عملهم يكشف عن وقوفهم على دليل معتبر هو من تلك الرواية بمنزلة قرينة التجوز، ومخالفة الإجماع أو عمل العلماء إنما تصير موجبة لوهن الخبر إذا لم يتطرق إليه التأويل بشئ من وجوهه، التي منها التجوز.
ومن جملة فقراتها ما هو محل الاستدلال بها على جواز استعمال غسالة الغسل في الطهارة، من قوله (عليه السلام): " وإن كان في مكان واحد وهو قليل، لا يكفيه لغسله، فلا عليه أن يغتسل، ويرجع الماء فيه، فإن ذلك يجزيه " فإنه صريح في نفي البأس عما رجع مما انفصل عن البدن في الماء، فلولا استعمال ذلك جاز في الطهارة لما كان لذلك وجه.
واعترض عليه تارة: باختصاص دلالتها على الجواز في حال الضرورة والمدعى أعم منها، ولا يمكن تتميمه بالإجماع المركب، إذ لم يعلم اتفاقهم على عدم الفصل، بل ربما يمكن تنزيل إطلاق المانعين إلى ما عدا الضرورة، كما يومئ إليه كلام الشيخ في كتابي