ومما يرشد إلى إرادة هذا المعنى قول السائل وهو يتخوف أن تكون السباع قد شربت منه، فإن السؤال مفروض في موضع احتمال تردد السباع المستلزم لمباشرة الماء الموجبة لانفعاله، والجواب خارج على طبقه، ومراد به التنبيه على عدم الاعتناء بهذا الاحتمال، وعدم وجوب مراعاة المباشرة المحتملة بالنظر في تحصيل الأمارات الدالة عليها، التي منها آثار أقدامهن، ويبقى بعد ذلك احتمال ظهور الفساد بعد الاستعمال بتبين المباشرة بحكم العادة المستندة إلى تبين أثر الأقدام، فيتخلص من ذلك بالنضح على الجوانب الأربع الموجب لزوال الأثر لو كان موجودا في الواقع.
ولا ينافي هذا المعنى ما في رواية ابن مسكان من قول السائل: " فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء " المتعقب للجواب الآمر بالنضح على النهج المتقدم، وإن أوهم في بادي الرأي كونه لحفظ الماء عن ورود الغسل عليه ورجوعه فيه، ومنه نشأ توهم الجماعة ظاهرا، لكون (1) المورد محتملا لتردد السباع وإن لم يذكره السائل، وقد علم به الإمام (عليه السلام) فأجاب بموجب ما اقتضاه هذا الاحتمال، لجواز اعتقاده بأن ما فرضه السائل غافلا عن هذا الاحتمال مما لا حكم له، ولا يترتب عليه أثر، ولا ينشأ منه محذور بالقياس إلى عدم تعرضه لبيان ما هو واقع الأمر فيما عرضه السائل على نحو الصراحة، لأن عدم التصريح ببيان حال ما لا حكم له شرعا ليس بمناف للحكمة، وإنما المنافي لها عدم التعرض لبيان حكم ما له حكم في الشرع، والمقام ليس منه، مع إفادته إرشاد السائل إلى خلو مورد السؤال عن جهة المنع بعد استعمال النضح، وإن لم تكن تلك الجهة المنبه على ارتفاعها بذلك العمل ما توهمه السائل، والقرينة على ذلك كله ما قررناه في توجيه صحيحة علي بن جعفر، فإن الظاهر أن هذه الروايات كلها واردة في سياق واحد لحكمة واحدة، وقضية ذلك كله كون الأمر بالنضح الوارد إرشاديا مرادفا للاستحباب، مرادا به إرشاد السائل إلى طريق الاحتياط، والأخذ بالأوثق الذي هو حسن في كل حال.
وأما الوجوه الاخر التي ذكروها في المقام فليس شئ منها بشئ.
أما الأول منها: فلعدم كون رش الأرض ملزوما عقليا ولا عاديا لإمساك الغسالة