وأما على الاوليين بجميع تقاديرهما الثلاث فلما مر فيهما من الكلام مستوفى في دفع حجج القول السابق بالفرق بين الغسلتين، فراجع.
ومرجعه إلى منع انعقاد هاتين القاعدتين على تقدير، ومنع منافاتهما للانفعال على آخر، إذ لو اريد بالطهارة المشترطة طهارة الماء قبل ملاقاته للمحل وحين ملاقاته له، وبالتنجس المانع عن التطهير تنجس الماء أعم مما حصل من نجاسة المحل وما حصل من غيرها سابقا أو لاحقا، فانعقاد أصل القاعدة ممنوع، وسند المنع ما تقدم، فيبقى عموم قاعدة الانفعال سليما عن المعارض.
وإن عورض بمنع العموم في تلك القاعدة أيضا رجع البحث إلى الدليل السابق، وقد استوفينا فيه الكلام أيضا فيما سبق.
ولو اريد بهما الطهارة والتنجس في الجملة، ولو بالنسبة إلى ما قبل الملاقاة، أو حينها إذا حصل التنجس من نجاسة خارجة عن نجاسة المحل، فأصل القاعدة مسلم ولا إشكال فيها أصلا، ولكنها لا تنافي عموم قاعدة الانفعال، ولو قيل بمنع عموم تلك القاعدة أيضا ليلزم منه صحة المراجعة إلى الأصل والأخذ بموجبه عاد الكلام السابق.
ومن هنا يتضح أن ما في كلام بعض مشايخنا العظام (قدس سره) - بعد ذكر القاعدتين وإبداء المعارضة بينهما، - من: " أن دعوى: أنه لم يعلم كونها - يعني قاعدة أن المتنجس لا يطهر - شاملة لمثل المقام ليست بأولى من دعوى: أنه لم يعلم شمول القاعدة الاولى - يعني قاعدة الانفعال - له " (1) ليس في محله.
والعجب أنه أقعد القاعدة المذكورة رجما بالغيب، وأظهر من نفسه تسليم قاعدة الانفعال، لكن لا إذا استند فيها إلى عموم المفهوم لأنه غير مسلم في نظره، بل إذا استند فيها إلى ما قيل: من أن المتتبع لكثير من الأخبار - مضافا إلى حكاية الإجماعات هناك على النجاسة - يستفيد قاعدة وهي: " أن الماء القليل ينفعل بالملاقاة "، فتوهم المعارضة بينهما ثم تحرى في تحصيل المرجحات للقاعدة الاولى، فلم يأت إلا بامور واهية لا يكاد يخفى وهنها على الخبير المنصف، وسنشير إليها مع ما يوهنها.
وأما على الأخيرة: فلأنها تعضدنا ولا تنافينا كما لا يخفى، ومع ذلك نقول ما المراد