رافع الأكبر، لا يساعد على أنه اختار الطهارة، لما تقدم الإشارة إليه من أن التسوية بينهما لا تقتضي إلا المشاركة في أصل الحكم دون جهته، فلعله في الأول من جهة وجود المانع وفي الثاني من جهة فقد المقتضي، ونظير هذا التعبير شائع في كلام الفقهاء وأخبار الأئمة - سلام الله عليهم - كما لا يخفى على المتتبع.
ومن هنا ظهر ضعف ما في الحدائق (1) من استظهار اختياره عن ابن بابويه في الفقيه، حيث ساوى بينه وبين رافع الحدث الأكبر، وهو طاهر إجماعا، كما سبق الإشارة إليه أيضا.
نعم، عن ابن حمزة كلام آخر ربما يومئ إلى اختياره، فإنه - على ما في المحكي عنه في الوسيلة - جعل الماء أولا عشرة أقسام، وعد منها المستعمل، ومنها الماء النجس، ثم قال: " إن المستعمل ثلاثة أقسام: المستعمل في الوضوء، والمستعمل في غسل الجنابة والحيض ونحوهما، والمستعمل في إزالة النجاسة، وقال: إن الأول يجوز استعماله ثانيا في رفع الحدث وإزالة الخبث، والأخيران لا يجوز ذلك فيهما إلا أن يبلغا كرا فصاعدا بالماء الطاهر " (2).
ثم ذكر في حكم الماء النجس: " أنه لا يجوز استعماله بحال إلا حال الضرورة للشرب " (3) فإن قرينة المقابلة بين المستعمل والماء النجس تقضي بأن المستعمل بأقسامه الثلاث ليس بنجس، وإلا لم يكن لذكره مع الماء النجس متقابلين وجه.
ولكن هذه الدلالة ربما تتوهن بما اعتبره في تجويز استعمال الأخيرين في رفع الحدث وإزالة الخبث من بلوغهما كرا بالماء الطاهر، فإن ذلك يرجع إلى القول بطهارة القليل النجس بإتمامه كرا - كما عليه جماعة - وقضية ذلك اختياره القول بالنجاسة، حتى في المستعمل في رفع الحدث الأكبر، وإن ادعى الإجماع على خلافه في كلام جماعة.
ومما يؤيد أنه يقول فيه أيضا بالنجاسة، ما نسب إليه من أنه حكم في الماء القليل بنجاسته بارتماس الجنب فيه، بعد ما حكم بنجاسته بوقوع النجاسة فيه، ولا ينافيه دعوى الإجماع على خلافه، لأن ذلك ليس بعادم النظير في المسائل الفقهية.