وأدون من الجميع ما عن الذخيرة من: " أن مورد الرواية دم الأنف، فالتعميم لا يخلو عن إشكال، وأشكل منه إلحاقه في المبسوط كل ما لا يستبين " (1)، ووجهه: أن المناط عند القائلين بانفعال القليل بالملاقاة واحد، وهو مباشرة وصف النجاسة التي هي حاصلة في الجميع، ولذا يدعي إجماعهم المركب على التعميم في أصل المسألة.
والأولى في هدم الاستدلال بالرواية منع دلالة ما فيها من الجواب المفصل بين الاستبانة وعدمها، بل هي عند التحقيق تقضي بما ذهب إليه المشهور من إطلاق القول بالانفعال، فإن " الاستبانة " لغة وعرفا ضد الخفاء، يقال: " استبان الأمر "، أي اتضح وتبين وانكشف أي زال خفاؤه، وكما أن الشئ قد يخفى على الحس فلا يرى أو لا يسمع، فكذلك يخفى على الذهن فلا يدرك، يقال: " خفي الحق علي "، كما يقال: " خفي الهلال على بصري ".
وقضية ذلك أن يكون التبين - على معنى زوال الخفاء - مقولا بالاشتراك على التبين في الحس والتبين في الذهن معا، ولذا لو حصل لك العلم بفسق أحد تقول: " قد خفي علي فسقه فتبين لي أنه فاسق "، ولا يصح أن تقول: " ما تبين لي فسقه "، كما أنه إذا رأيت الهلال تقول: " قد خفي على بصري الهلال فتبين "، ولا يصح أن تقول: " لم يتبين ".
وقضية ذلك أن يكون الحكم المعلق على الاستبانة بهذا المعنى، معلقا عليها بالمعنى الأعم الذي هو القدر المشترك بين النوعين، فيكون مفاد الرواية حينئذ إناطة حكم النجاسة المانعة عن الوضوء بزوال خفاء مباشرة الدم للماء، الذي يتحقق تارة عند البصر كما لو رأيناه فيه بعينه، واخرى عند الذهن كما لو علمنا بوقوعه فيه وإن خفي على أبصارنا بعد الوقوع، فيكون المعنى - على نسخة النصب -: إن كان الذي أصاب الإناء شيئا يخفى عليك كونه في الماء فلا بأس، وإن كان شيئا لا يخفى عليك كونه في الماء فلا يتوضأ منه، ولا ريب أنه إذا علمنا بوقوع قليل من الدم أو غيره ولو صغيرا بقدر رؤوس الإبر في الماء، لصدق في حقنا قضية القول بعدم خفاء كونه في الماء، ولم يصدق لو قلنا: أنه شئ خفي علينا كونه في الماء.