الا فيما يعنيه فبذلك أوتي الحكمة، وان الله تعالى امر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقابلة: فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الأرض وتحكم بين الناس؟ فقال لقمان: لقد امرني ربي فالسمع والطاعة، لأنه إن فعل بي ذلك أعانني وعلمني وعصمني وان هو خيرني قبلت العافية، فقالت الملائكة: يا لقمان لم قال لان الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين وأكثر فتنا وبلاءا.
ثم ساق الحديث إلى قوله: فعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه فلما أمسى واخذ مضجعه من الليل انزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم وغطاه بالحكمة غطاءا، فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه وخرج على الناس ينطق بالحكمة.
فلما أوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها، امر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة، فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان، فأعطاه الله الخلافة في الأرض، وابتلي فيها غير مرة، وكل ذلك يهوي في الخطأ، فيقيه الله ويغفر له.
وكان لقمان يكثر زيارة داود ويعظه بمواعظه، وكان يقول له داود عليه السلام طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية، وأعطي داود عليه السلام الخلافة وابتلي بالخطأ والفتنة.
فوعظ لقمان ابنه بالنار حتى تفطر وانشق، وكان فيما وعظه ان قال: يا بني انك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد، يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس، وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فان الصلاة أحب إلى الله من الصيام، يا بني ان الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الايمان واجعل شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله، فان نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك، يا بني إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا، يا بني خف الله