أنت، فقال الصمت حكمة وقليل فاعله، فقال له داود بحق ما سميت حكيما.
وقال المسعودي: كان لقمان نوبيا مولى للقين بن حر، ولد على عشرة سنين من ملك داود عليه السلام وكان عبدا صالحا ومن الله عليه بالحكمة، ولم يزل في فيافي الأرض مظهرا للحكمة والزهد في هذا العالم إلى أيام يونس بن متى، حتى بعث إلى أهل نينوى من بلاد الموصل.
ومن حكمته انه قال: يا بني ان الناس قد اجمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولا من جمعوا له، وانما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا فأوفه عملك واستوف أجرك ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت، فكان حتفها عند سمنها ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر، أخربها ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها. واعلم انك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع: شبابك فيما أبليته؟ وعمرك فيما أفنيته؟ ومالك مما اكتسبته؟
وفيما أنفقته فتأهب لذلك واعد له جوابا.
وقال لقمان: لان يضر بك الحكيم فيؤذيك، خير من يدهنك الجاهل بدهن طيب، يا بني لا تطأ أمتك ولو أعجبتك وإنه نفسك عنها وزوجها، يا بني لا تفشين سرك إلى امرأتك ولا تجعل مجلسك على باب دارك، يا بني تعلمت سبعة آلاف من الحكمة، فاحفظ منها أربعا وسر معي إلى الجنة: احكم سفينتك فان بحرك عميق، وخفف حملك فان العقبة كؤود، وأكثر الزاد فان السفر بعيد، وأخلص العمل فان الناقد بصير. (بيان التنزيل) لابن شهرآشوب قال: أول ما ظهر من حكم لقمان ان تاجرا سكر وخاطر نديمه أن يشرب ماء البحر كله وإلا سلم إليه ماله وأهله فلما أصبح وصحا ندم وجعل صاحبه يطالبه بذلك فقال لقمان: انا أخلصك بشرط ان لاتعود إلى مثله، قل له: أأشرب ماء الذي كان فيه وقت إفادتي به أو اشرب ماءه الآن؟ فسد أفواهه لأشربه، أو اشرب الماء الذي يأتي به فأصبر حتى يأتي فأمسك صاحبه عنه.