من جوف شجرة خضراء لا تزداد النار الا عظما ولا الشجرة الا خضرة، فلما دنا استأخرت عنه، فخاف عنها ورجع، ثم ذكر حاجته إلى النار فرجع إليها فدنت منه، فنودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة: (ان يا موسى) فنظر فلم ير أحدا فنودي: (إني انا الله رب العالمين) فلما سمع ذلك علم أنه ربه واقترب، فلما قرب منه وسمع النداء ورأى تلك الهيبة، خفق قلبه وكل لسانه وصار حيا كميت فأرسل الله إليه ملكا يقوي قلبه، فلما رجع إليه رشده، نودي: (اخلع نعليك انك بالواد المقدس طوى) ثم قال الله سبحانه تسكينا لقلبه: (وما تلك بيمينك...) الآية.
واختلف في اسم العصا. فقيل: اسمها ما شاء الله. وقيل: غياث. وقيل:
عليق، واما صفاتها والمآرب التي كانت فيها:
فقال أهل العلم: كان لعصى موسى شعبتان ومحجن في أصل الشعبتين وسنان حديد في أسفلها، فكان موسى إذا دخل مفازه ليلا ولم يكن قمر، تضئ شعبتاها من نور مد بصره، وكان إذا اعوزه الماء أدلاها في البئر فجعلت تمتد إلى قعر البئر وتصير في رأسها شبه الدلو ويستقي وإذا احتاج إلى الطعام ضرب الأرض بعصاه فيخرج ما يأكل يومه وكان إذا اشتهى فاكهة من الفواكه غرزها في الأرض فتغصنت أغصان تلك الشجرة التي اشتهى موسى فاكهتها وأثمرت له من ساعتها.
ويقال: كان عصاه من اللوز، وكان إذا قاتل عدوه يظهر على شعبتيها تنينان يتناضلان، وكان يضرب بها على الجبل الصعب الوعر المرتقى فيفرج، وإذا أراد عبور نهر من الأنهار بلا سفينة ضربها وبدا له طريق يمشي فيه، وكان يشرب أحيانا من إحدى الشعبتين اللبن ومن الأخرى العسل، وكان إذا أعيى في طريقه يركبها فتحمله إلى اي موضع شاء من غير ركض ولا تحريك رجل وكانت تدله على الطريق وتقاتل أعداءه وإذا احتاج موسى إلى طيب فاح منها الطيب حتى يتطيب منها ثوبه وإذا كان في طريق فيه لصوص تكلمت العصا وتقول له: خذ بجانب كذا وكان يهش بها على غنمه ويدافع بها السباع والحيات والحشرات وإذا سافر وضعها على عاتقه