ذلك إليهما؟ قال: كان موسى الذي يناجي ربه ويكتب العلم ويقضى بين بني إسرائيل وهارون يخلفه إذا غاب عن قومه للمناجات قلت: فأيهما مات قبل صاحبه قال: مات هارون قبل موسى، وماتا جميعا في التيه. قلت: أو كان لموسى ولد؟
قال: لا، كان الولد لهارون.
قال: فلم يزل موسى عند فرعون في اكرامه كرامة، حتى بلغ مبلغ الرجال، وكان ينكر عليه ما يتكلم من التوحيد، حتى هم به، فخرج موسى من عنده ودخل مدينة من مدائن فرعون فإذا رجلان يقتتلان، أحدهما يقول بقول موسى والآخر يقول بقول فرعون، فجاء موسى فوكز صاحبه وقضى عليه وتوارى في المدينة، فلما كان من الغد جاء آخر فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له: أتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس فخلى سبيله وهرب.
وكان خازن فرعون مؤمنا بموسى قد كتم ايمانه (ستمائة سنة) وهو الذي قال الله عز وجل: (وجاء رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه...) الآية.
وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل، فطلبه ليقتله، فبعث المؤمن إلى موسى (ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين) فخرج منها خائفا يترقب - اي يلتفت يمنة ويسرة - ومر نحو مدين، وكان بينه وبين مدين ثلاثة أيام، فلما بلغ باب مدين رأى بئرا يستقى منها لأغنامهم، فقعد ناحية ولم يكن اكل منذ ثلاثة أيام شيئا، فنظر إلى جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر، فقال لهما: ما بالكما لا تستقيان؟ فقالا: حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فرحمهما موسى ودنا من البئر، فقال لمن على البئر: استسقي لي دلوا ولكم دلوا؟ وكان الدلو يمده عشرة رجال. فاستسقى وحده دلوا لبنتي شعيب وسقى أغنامهما، ثم تولى إلى الظل فقال: (رب اني لما أنزلت إلي من خير فقير) والله ما سأل الا خبزا يأكله ببقلة الأرض، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه من هزاله.