منيع حتى دخل على الكرماني وقال: يا هذا! تعرف ما بيني وبينك من الصداقة، فلا توقع الخلف بيننا وبينه، وإن كنت حقدت عليه بحبسك فاحبسه كما حبسك أو تأخذ منه رهنا ويأخذ منك رهنا وصر إليه، فإن كان منه شيء بعد ذلك فيد بيد، فأجاب الكرماني إلى ذلك وقال: نعم، هؤلاء ولداي علي وعثمان، فما يعطيني هو؟ فوالله ما نعرف له ولدا ولا والدا ولا عشيرة غير العشيرة التي ينتمي إليها. قال فقال له: مهلا أبا علي! فإنك لم تكن سفيها قط، فأسألك بالله أن لا يكون خراب هذه البلدة على يديك، فإني ما أظن أن أحدا من العرب أنصح لي منك، قال: فلم يجبه الكرماني إلى شيء، وانصرف قديد بن منيع إلى نصر بن سيار، فأعلمه بذلك.
قال: ووثب بنو تميم إلى نصر بن سيار وقالوا: أيها الأمير! ما ننتظر بهذا الكلب. عاجله قبل أن يكثر جمعه، قال: فوثب إلى نصر بن سيار ابن عم له يقال له عقيل بن معقل الكناني (1) فقال: أصلح الله الأمير! لا تلتفت إلى أقوال هؤلاء ولا إلى ما يشيرون به عليك، فإني أخاف بشؤم نفسك أن يدخل البلاء على عشيرتك في محاربتك لهذا الرجل، فإن أمير المؤمنين مروان بن محمد قد انتقض عليه بعض أمره وقد خرجت عليه طائفة من الشراة وأخاف أن يزول عنه أمره إلى غيره، فلا تعجل في أمرك. فقال له نصر بن سيار: صدقت يا عقيل! ولكن صر إليه وكلمه فلعله يرتدع عما هو عليه. قال: فأقبل عقيل بن معقل حتى دخل على الكرماني فسلم وجلس ثم قال: أبا علي! اعلم أنك قد سننت لهؤلاء السفهاء سنة لم تكن بخراسان قبل اليوم، وأخاف أن يوقعك هذا الامر أنت ونصر بن سيار فيما تكرهان، وبعد فأنت اليوم شيخ العرب وسيد قومك، فقل ما أحببت فإنك مجاب إلى ما تحب، ولا تطمع هؤلاء السفهاء فيما دخلوا فيه، فإني أرى شيئا أخاف أن تذهل فيه العقل وتشخص فيه الابصار. قال فقال له الكرماني: صدقت يا عقيل! ولكنه ابن الأقطع، فقال عقيل:
عزمت عليك ألا سكت عن ذكره بقبيح، فإني ما سمعته ما يذكرك إلا بالجميل. قال فقال الكرماني: يا عقيل! لا تكثر فليس إلى ما يريد ابن الأقطع من سبيل، قال فقال له عقيل: يا أبا علي! ههنا شيء آخر، قال: وما ذاك؟ قال: يتزوج إليك وتتزوج إليه، فقال الكرماني (2): إذا لا أفعل ذاك لأنه ليس لي بكفوء، فقال عقيل: