سبحان الله يا أبا علي! تقول بمثل هذا الرجل من بني كنانة وشرفه وقدره! فقال:
والله لو كان مصاصا في بني كنانة لفعلت! ولكن ليس كذلك، قال عقيل: فما تقول أبا علي؟ أنصرف عنك اليوم وأعود إليك غدا؟ فقال الكرماني: إنما أنت تعود بمثل هذا الكلام فلا تعد، فقال عقيل (1): أبا علي! إنه ليس بعد هذا شيء وأخاف أن تهلك غدا بدار مضيعة! فقال الكرماني: أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال (2): فرجع عقيل إلى نصر بن سيار، فقال: أيها الأمير! أنت والله في غرو من أمر هذا الرجل! وذلك أنه قد عظم أمره وكثف جمعه واشتدت شوكته، فإن كنت رجلا تقوم في هذا الامر وإلا فالزم منزلك، فإنك قد خيرت ذلك إما أن تلزم منزلك حتى يولي هو من يريد، وإما أن تحمل من أموال خراسان ما أحببت وتنصرف إلى أمير المؤمنين مروان، فاختر من الثلاث (3) ما بدا لك. قال: فغضب نصر بن سيار من ذلك غضبا شديدا، ثم صاح بصاحب شرطته سالم (4) بن أحوز المازني، فقال له: يا سالم! سر إلى هذا الملاح فاكفني أمره وائتني برأسه الساعة.
قال: فنادى سالم في أصحاب نصر بن سيار فركبوا، وسار إلى باب الكرماني وعلى بابه يومئذ أربعة آلاف رجل ما يرى منهم إلا الحدق. قال: فصاح سالم بن أحوز بقائد من قواد الكرماني يقال له محمد (5) بن المثنى، فقال: يا بن المثنى! قل لصاحبك هذا الملاح: يخرج إلينا! فقال له ذلك محمد بن المثنى، فخرج إليه في أصحابه فاقتتلوا ساعة، فقتل من أصحاب الكرماني قريب من عشرين رجلا، وقتل من أصحاب نصر بن سيار نيف على مائة رجل، فانهزم سالم بن أحوز إلى دار نصر بن سيار فأعلمه بذلك. قال: فأرسل إليه نصر بعصمة بن عبد الله الأسدي حتى وقف قبالة أصحاب الكرماني، ثم قال: أما والله لو علمتم (6) أن السمك لا يغلب