قال: وباكر القوم الحرب فاقتتلوا قتالا شديدا، وأثخن نصر بن سيار جراحا، وقتل من أصحابه جماعة، وانهزم من بين يدي أبي مسلم هزيمة قبيحة ولم يقم له قائمة. قال:
فأنشأ رجل من أصحاب أبي مسلم يقول أبياتا مطلعها:
لسنا نبالي لدى الهيجاء من أحد * مما نطالب عن عجم ولا عرب إلى آخرها.
قال: وجعل أمر أبي مسلم يعلو يوما بعد يوم حتى خافه الناس من جميع النواحي بكور خراسان، وكان إذا ذكر إنما يقال (قال الأمير كذا وكذا). وكان يخطب له فيقال: اللهم أصلح الأمير أمير آل محمد.
قال: وكان أهل بلاد خراسان على فرقتين، فكور منها يدعون (1) لمروان، وكور منها يدعون لأبي مسلم أنه الأمير أمير آل محمد. قال: وتفاقم الامر بين أبي مسلم ونصر بن سيار جدا، وكانوا إذا دنوا للقتال يتشاتمون ويذم بعضهم بعضا، وكان نصر بن سيار ينشد ويقول في ذلك أبياتا مطلعها:
درجت دينا وأهلا أنت تاركهم * ما الخير دينا وأهلا لا يذمونا إلى آخرها.
قال: ودامت الحرب بين أبي مسلم وبين نصر بن سيار، ومال أهل خراسان إلى أبي مسلم فأعطوه طاعتهم وحملوا إليه أموالهم. قال: ونظر نصر بن سيار أنه لا طاقة له بأبي مسلم فك عن الحرب أياما، فلم يحارب ودخل مدينة مرو وجلس في منزله وسلم الامر. قال: ودعا أبو مسلم بأربعة نفر من أصحابه منهم عامر بن إسماعيل الجرجاني وأخوه عمرو وسليمان بن كثير ولاهز بن قريظ (2)، قال: سيروا إلى أرض نصر بن سيار فأقرئوه مني السلام وقولوا إن الأمير يقول لك أن قد جاءنا كتاب من عند الامام إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وإنا نحب أن نعرضه عليك فصر إلينا آمنا مطمئنا! قال: فأقبل القوم فاستأذنوا على نصر بن سيار فأذن لهم، فدخلوا وسلموا وبلغوا رسالة أبي مسلم. قال: وجعل لاهز بن قريظ يقول: (يا موسى إن الملا يأتمرون بك) (3) فعرف نصر بن سيار أن أبا مسلم (4)