قال فقال له مسلمة: ويحك يا كميت! قد والله رأيت أمير المؤمنين حنقا عليك شديدا، وما أثق بنفسي لك منه، ولكني أشير عليك بواحدة، إنه قد مات له ابن يقال له معاوية، وهو غذا صائر إلى القبر (1)، فكن أنت هنالك قبل مجيئه فاستجر به وأنا أعينك على ذلك. قال: فانصرف الكميت من عند مسلمة، ثم إنه بكر إلى قبر معاوية بن هشام فجلس إليه، وقد هيأ أبياتا من الشعر، وخرج هشام من قصره يريد القبر ومعه سادات بني عمه من بني أمية ومسلمة يسير عن يمينه، فلما نظر إلى الكميت من بعيد قال: إني أرى رجلا قاعدا عند القبر، فقيل: يا أمير المؤمنين لعله مستجير قد استجار بالقبر! فقال هشام: قد أجرنا كل من قد استجار إلا الكميت، فقال مسلمة: يا أمير المؤمنين وما الكميت حتى يستثنى باسمه! قال هشام: فإنا قد أجرناه وإن كان الكميت. قال: ودنا هشام إلى القبر، فوثب الكميت قائما وهو يقول:
تأوب عيني داءها فاستهلت * بعبرة محزون هضاب وقلت على هالك من آل فهر بن مالك * له كشفت شمس النهار وكلت فلا تحسب الأعداء إن مات أنني * خذلت ولا أبيات قومي قلت سأبكيك للدنيا وللدين إنني * رأيت يد المعروف بعدك شلت قال: فدمعت هينا هشام، ثم دنا فجلس عند القبر، فوثب الكميت قائما على قدميه ثم استأذن في الكلام، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال (2): إن الله عز وجل جعل أولياء دعوته وسيوف نقمه وأنصار دينه ورقباء عدله وورثة فضله وعيبة علمه ومعادن حكمه، وخلفاءه في عباده وبلاده آباء أمير المؤمنين أطال الله في العافية!
ومنتهى الرغبة في بقائه، فهم المطهرون من الدنس، المصفون من النجس، النجباء في النسب، البلغاء في الحسب، النخباء في الأزل، السمحاء في المحل، الحكماء المساميح، الرحماء المناصيح، لا كفره ممنوع ولا فجره، ولا معازيل ولا سائل في الهيجاء، ولا مهاذير في الملاء، ولا حمد في اللواء، ولا مناكيد عند العطاء، ولا جبن عند الأعداء، ولا قحط قنط في السنين، ولا سقط فرط عن المقلين، ولا حزر بزر للدائرين، ولا مطلق الألسنة بجهل الجاهلين، لا مروعون بالأهاويل ولا لاهون بالأباطيل، أهل الحلوم عن البوادر والعلوم بالمخاطر، ولطاف