الشامي: إن الجليس يا أمير المؤمنين إذا كانت ثيابه دون ثياب جليسه يلحقه لذلك غضاضة، قال: فأمر المأمون أن يخلع عليه، فقال: يا أمير المؤمنين! إذا كان قلبي متعلقا بعيالي فما تكون محادثتي! فأمر له بخمسين ألف درهم تحمل إلى منزله، فقال: يا أمير المؤمنين! وثالثة، فقال: وما هي؟ فقال: دعوت إلي شيء يحول بين المرء وعقله، فإن كانت مني هفوة يغفرها أمير المؤمنين، قال: لك ذلك.
وكانت الثالثة منه تمام الكرم.
ومن حلمه أنه لما عفا عن عمه إبراهيم عجزه القوم من أهله وأكثرهم لاموه، فقال:
لما رأيت الذنوب جلت * عن المكافاة بالعقاب صيرت فيها العقاب عفوا * أحرى من الضرب للرقاب أرجو بذاك الصلاح جهدي * وعفو ذي الأنعم الرغاب ومن فصاحته في الشعر أنه نظر يوما إلى غلام حسن الوجه في الموكب فقال:
ما اسمك يا غلام؟ فقال: لا أدري، فقال: أو يكن أحد لا يعرف اسمه؟ قال:
فاسمي الذي أعرف به لا أدري * بما يصنع الحب المبرح في صدري لئن كان بي أمر ونهي عن الورى * فإني طوع الحب والنهي والامر ولست أبالي الشمس والبدر إنني * أرى كل حسن ليس للشمس والبدر ومن عدله في حكمه أنه جلس يوما للمظالم، فأتت امرأة فقالت (1):
يا خير منتصف يهدى له الرشد (2) * ويا إماما به قد أشرق البلد تشكو إليك عميد الناس أرملة * عدي عليها فما يقوى بها الأسد وابتز مني ضياعي بعد منعتها * لما تفرق عني الأهل والولد قال: فأجابها عن ذلك:
في مثل ذلك عيل الصبر والجلد (3) * وأقرح القلب هذا الحزن والكمد