وانصرف راجعا حتى وصل مدينة دمشق، فأقام بها أيام الشتوة، ورحل بعساكره حتى نزل بلاد لؤلؤة فحارب أهلها. قال: وإذا كتاب توفيل بن ميخائيل يسأل المأمون أن يكف عن أهل لؤلؤة على أنه يطلق له كل أسير في يديه من المسلمين (1). فأبى ذلك وصعب عليه أمر لؤلؤة، فحصن حولها، ووكل بها قوما من أصحابه، وأمرهم بالمحاربة، ورحل عنها المأمون. فأقبل المأمون إلى بلاد الروم، وبلغ ذلك توفيل فرحل قبل أن يوافيه المأمون إلى بلاده، ونزل المأمون على لؤلؤة وحاصرهم حصارا شديدا إلى أن أخرجوا إليه بالأمان وسلموه لؤلؤة، فأخذ من الأموال والثياب والدواب والرقيق ما أراد. ثم رحل في عساكره إلى أن صار إلى الرقة، فخرج توفيل في ثمانين ألفا فجعل يغير على أطراف بلاد المسلمين، فجعل يقتل الرجال ويذبح الأطفال إلى أن قتل خلقا كثيرا من المسلمين. قال: فأنشد عبد الرحمن في ذلك:
أبلغ لديك سفيه الروم توفيلا * قولا سيلقى له إن عاش تنكيلا أهلكت نسوان أهل العز قاطبة * والنسل أهلكت تحريفا وتفصيلا قال: وبلغ المأمون ما قد فعل كلب الروم توفيل بالمسلمين، فاشتد غضبه وجمع عساكره وسار إلى أن نزل في موضع يقال له البذوندون (2) فمرض هناك، فأمر أن يكتب إلى العمال. فقال [الكاتب: قال لي -] أخوه أبو إسحاق: ألحق في الكتب (من عبد الله المأمون أمير المؤمنين وأخيه أبي إسحاق الخليفة)، فقلت (3):
إنك لتعرضني لسفك دمي، فقال: أحب منك ذلك. فرافقته يومي ذلك وسألت عنه الأطباء فقالوا: إنه لميت، فشاورته في ذلك، فنظر إلى نظرة كاد أن يبلعني وقال:
اكتبوا ما شئتم، فكتب ما أراد أبو إسحاق. فلما اشتد مرض المأمون صار يرفع طرفه إلى السماء ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من يزول ملكه! يا من لا يموت ارحم من يموت! فتقدمت إليه جارية وجلست عند رأسه وأنشأت يقول:
يا ملكا لست بناسيه * يا ليتني بالنفس أفديه