حتى قتل منهم جماعة وهدم ناحية من حصنهم بحجارة المجانيق. قال: عندها صاح القوم وطلبوا الأمان، فأمنهم ورفع عنهم السيف، ثم دعا ببطريق يقال له باطليش فأعطاه ألف دينار، وأمرهم أن يرموا حصنهم لما كانت المجانيق قد أثرت فيه. قال: ثم أقبل المأمون حتى نزل على المطمورة التي يقال لها معلويه (1)، فلما نزل عليها وهم بحربهم خرجوا إليه فطلبوا الأمان، فأعطاهم ذلك وكساهم وأحسن إليهم وردهم إلى حصنهم. قال: ثم دعا المأمون مولى له يقال له عجيف بن عنبسة فضم إليه جيشا ووجه به إلى عزالينوس صاحب حصن سنان (2). قال: فأقبل عجيف ومعه قائد من قواد المأمون يقال له جعفر بن دينار (3)، حتى نزلا على حصن سنان.
قال: ونظر عزالينوس إلى الخيل قد أحدقت بالحصن فخرج إلى عجيف بالأمان وأعلمه بأنه سامع مطيع. قال: فبعث عجيف إلى المأمون بذلك، فبعث المأمون يأمر عجيفا بالانصراف عنهم، فانصرف عجيف من حصن سنان.
قال: وجاء الشتاء فرحل المأمون عن بلاد الروم حتى صار إلى دمشق فنزلها.
قال: فأرسل توفيل بن ميخائيل ملك الروم رسلا فقدموا على المأمون وهو يومئذ بدمشق، فدفعوا إليه كتاب صاحبهم [توفيل بن] ميخائيل، فنظر المأمون فإذا عنوان الكتاب: من توفيل بن ميخائيل إلى عبد الله بن هارون. قال: فغضب المأمون ورمى الكتاب من يده، ثم أقبل على الرسول فقال: خبروني ما الذي حمل صاحبكم على أن يكتب إلي وبدأ باسمه قبل اسمي؟ قالوا: لا نعلم إنما نحن رسل وما علينا إلا البلاغ المبين، فقال المأمون: صدقتم وليس أكلفكم ما لا طاقة لكم به، لكن قد علمتم أني أسن منه بل بعض ولدي أسن منه؟ فقالوا: قد علمنا ذلك ولا شك فيه.
فقال المأمون: كان يجب عليه أننا لو كنا متساويين في الدين أن يقدمني على نفسه، والأخرى أني خليفة، وأبي الرشيد وجدي المهدي خليفة، وخال أبي أبو المنصور خليفة، وأنا ابن الخلائف، لا يدفعني عن ذلك دافع، وأخرى فيعلم أني قدمت من حرب محمد ابن زبيدة، وأخرى فقد علم صاحبكم أني نازل بمدينة دمشق وهي دار بني أمية وقصبة مملكتهم، فهم الذين غصبونا حقنا وبعد هذا عزالينوس صاحب حصن سنان مخالف لصاحبكم، فليس يقدر واحد منهما على ضرر ولا نفع مع كثرة