وقل له: لئن عشت يوما واحدا وأنت ملك كان أصلح من أن تعيش أربعين سنة عبدا.
ولم يزل بابك في تلك الغيضة حتى فني زاده (1). وكان أصحاب مسالح الأفشين كلهم يحفظون الأرض، فأصاب بابك الجوع فأشرف، فإذا هو بحراث على فدان له في بعض الأودية، فقال لغلامه: انزل إلى هذا الحراث وخذ معك دنانير، فإن كان معه خبز فخذه وأعطه! وكان للحراث شريك، فنظر إلى الرجل من بعيد فأخذ خبز شريكه، فظن أنه يأخذه غضبا، فعدا إلى المسلحة وأعلمهم أن رجلا جاءهم وعليه سيف وسلاح، فركب صاحب المسلحة وكان في جبال ابن سنباط، [ووجه إلى سهل بن سنباط بالخبر، فركب ابن سنباط -] (2) وجماعة معه حتى صار إلى بابك، فنزل ابن سنباط فقبل الأرض بين يديه وقال: يا سيدي! إلى أين تريد؟
قال: بلاد الروم، فقال: لا تجد أحدا أعرف مني بحقك وليس بيني (3) وبينك لسلطان عمل، ولا يدخل علي أحد وأنت عارف بقصتي (4)، فكن عندي في حصني هذه الشتوة وبعد ترى رأيك فأنا عبدك، فركن بابك إلى كلام ابن سنباط وأقام في حصنه. فكتب ابن سنباط إلى الأفشين يعلمه أن بابك عنده عبد الله [في حصن] ابن اصطفانوس (5) أخوه جميعا عندي في الحصين. فكتب إليه الأفشين: إن كان هذا صحيحا فلك عندي وعند أمير المؤمنين ما تريد، ووصف الأفشين صفة بابك لرجل من خاصته ووجه به إلى ابن سنباط، وكتب إليه يعلمه أنه قد وجه برجل يحب أن يرى بابك، فقال للرجل: ليس يمكن أن تراه إلا في الوقت الذي يكون فيه منكبا على طعامه للغداء، فإذا رأيتنا قد طلبنا الغداء فالبس ثياب الطباخين الذين معنا على هيئتنا فتفقد منه على ما تريد. ففعل ذلك، فرفع بابك رأسه فأنكره وقال: من هذا الرجل؟ فقال ابن سنباط: هذا رجل نصراني من أهل خراسان منقطع إلينا منذ كذا وكذا سنة، فقال بابك: لم طاب لك المقام ههنا؟ قال: تزوجت. قال: صدقت،