وفي رواية أخرى: إنهما لما تخاطبا قال المأمون: إن هذين أشارا علي بقتلك وأومأ إلى الحسن بن سهل وابنه العباس، فقال: يا أمير المؤمنين! إنهما أشارا عليك بما يشار على مثلك في مثلي، لكنك دفعت ما خفت بما رجوت، وكفاك الله مؤنة الكلف. فقال المأمون: مات والله الحقد عند حسن الاعتذار، وإن من الكلام لما هو أحسن من الدر، وهذا منه اعتذار من ذنبك يا عم! فقال: يا أمير المؤمنين! إن ذنبي عظيم وهو أعظم من أن أتفوه به في عذر، وعفو أمير المؤمنين أجل من أن أقابله بشكر، فقال المأمون: عد يا عم إلى رتبتك والانبساط وكثرة النشاط، فقال: على شريطة يا أمير المؤمنين؟ فقال: شريطة ممطاة، وحكومة مستجلاة، فقال إبراهيم:
إذا قد أكملت المنة، وتممت العارفة، وهممت الموهبة، فأريد أن تكون لي أمير المؤمنين بظهر كما قيل:
فما عز أن واش وشى بي عندكم * فلا ترهبنه أن يقال له مهلا كما إنه لو قد وشى بي عندكم) لقلنا تزحزح لا قربا ولا سهلا فقال المأمون: فأزيد عليه وأقول:
وساعي إن أتى بعيب عزه نسوة * جعل الاله خدودهن نعالا وأزيد عليه فأقول:
ما حطك الواشون من رتبة * عندي وما ضرك مغتاب كأنهم أثنوا ولم يعلوا عليك * وعندي بالذي عابوا قال: وكان بعد ذلك إذا دخل عليه وهو نشوان أو على شرب يقول له: أنت الخليفة الأسود، فقال له يوما: ما أنت الخليفة الأسود؟ فقال: أنا الذي من عليه أمير المؤمنين بالعفو عند المقدرة، ولكني كما قال عبد بني الحسحاس (1):
أشعار عبد بني الحسحاس حين أتى * عند الفخار مقام العين والورق إن كنت عبدا فنفسي حرة كرما * أو أسود الخلق إني أبيض الخلق فقال المأمون: يا عم! أخرجك الهزل إلى الجد، لكنك كما قيل في المعنى: