مهلا مهلا، فإن ولي الثأر محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى، ولك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة وشرف وعدل السياسة، ومن تناوله الاغترار (1) بما مد له من أسباب العدل (2) والرجاء أمن معاداة الدهر على نفسه وهجمت به الأيام على التلف، وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب (3) كما جعل كل ذي ذنب دونك، فإن أخذت فأخذت بحقك، وإن عفوت فبفضلك، والفضل بك أولى يا أمير المؤمنين! وأنشأ يقول:
ذنبي إليك عظيم وأنت أعظم منه * فجد بحقك أولا فاصفح بعفوك عنه إن لم أكن في من الكرم فكن هو قال: فرقرق الدمع يجول في عيني المأمون ثم قال: يا إبراهيم! القدرة تذهب بالحفيظة والندم توبة وبينهما عفو الله، وهو أعظم مما يحاول وأكبر مما يؤمل، ولقد جئت إلى العفو حتى ظننت وخفت أن لا أوجر عليه (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) (4). ثم أمر بفك حديده والاخذ من شعره، وأدخله الحمام وخلع عليه، ورد أمواله جميعها إليه، فأنشأ إبراهيم يقول:
رددت مالي ولم تضنن علي به * وقبل ردك مالي قد حقنت دمي (5) فإن جحدتك ما أوليت من كرم * إني أبا للوم أولى منك بالكرم قال: ثم إنه أنشأ أيضا (6):
إن الذي خلق الفضائل كلها * في صلب آدم للامام السابع ملئت قلوب الناس منك مهابة * فتظل تكلؤهم بقلب خاشع فعفوت عمن لم يكن عن مثله * عفو ولم يشفع (7) إليك بشافع ورحمت أطفالا كأفراخ القطا * وعويل عانسة كقوس النازع