فأذن له أن يجلس، ثم بكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع، فقال له طاهر: لم بكيت يا أمير المؤمنين؟ لا أبكى الله لك عينا وأذعنت لك العباد! قال: أبكي لامر ذكرته. قال: وانصرف طاهر واستدعى بهارون بن جيغونة (1) وقال: خذ معك ثلاثمائة ألف درهم فاعط الحسين الخادم مائتي ألف - وكان مقدما عند المأمون يطلع على جميع أسراره وما في نفسه - واعط كاتبه محمد بن هارون مائة ألف درهم واسأله أن يسأل المأمون لم كان بكاءه. قال: ففعل ذلك، فلما تغدى المأمون قال: يا حسين! اسقني، قال: لا والله يا أمير المؤمنين لا أسقيك حتى تقول لم كان بكاءك حين دخل عليك طاهر بن الحسين! قال: يا حسين! هذا أمر إن خرج من رأسك قتلتك! قال: يا سيدي! ومتى أخرجت لك سرا! قال: إني ذكرت محمدا أخي وما ناله من الذلة فخنقتني العبرة فاسترحت إلى الإفاضة ولن يفوت طاهر مني ما يكره، فأخبر حسين طاهرا بذلك. فركب طاهر إلى أن أتى إلى [أحمد بن] أبي -] (2) خالد، فقال: إن الثناء مني ليس برخيص وإن المعروف عندي ليس بضائع فغيبني عنه وعن عينه - يعني المأمون -، فقال: سأفعل (3) ذلك، وركب ابن أبي خالد إلى المأمون فقال له: ما نمت البارحة، فقال: لم؟ فقال: لأنك وليت غسان (4) خراسان وهو ومن معه أكلة رأس، فأخاف أن يخرج عليه خارجة من الترك فتصطلمه، قال: فمن ترى لها؟ قال: طاهر بن الحسين، قال: يا أحمد! هو والله خالع. قال: أنا الضامن له فأنفذه يا أمير المؤمنين! فدعا بطاهر من ساعته فعقد له، فشخص من وقته ونزل بستان خليل بن هاشم، فحمل إليه في كل يوم ما أقام به مائة ألف درهم التي يحمل إلى صاحب خراسان والجبال من حلوان، وكان خروجه من بغداد ليلة الجمعة لليلة بقيت من ذي القعدة [سنة 205]. فودع طاهر ابنه عبد الله وكتب له كتابا جمع فيه آداب الأولين والآخرين وعلمه فيه السياسة (5).
فخرج طاهر إلى خراسان وعبد الله ابنه إلى مصر وأرض الشام.
فلما دخلت سنة (6) سبع ومائتين (6) توفي فيها ذو اليمنين طاهر بن الحسين وكان