السواد يخرق، فاجتمع بنو هاشم إليه وقالوا: يا أمير المؤمنين! تركت لباس أهل بيتك ودولتهم ولبست الخضرة، فقال لهم المأمون: إن عليا رضي الله عنه ولى عبد الله بن العباس البصرة وعبيد الله (1) اليمن، ومعبدا (2) مكة وقثم البحرين، فكانت هذه في أعناقنا حتى كافيناه في ولده بما فعلت، ولا يكون بعد هذا إلا ما تحبون، وكتب إليه في ذلك قواد خراسان، ثم إنه ورد عليه بعد الله بن طاهر بن الحسين وكان يبجله ويكرمه إكراما عظيما وأمره أن يسأله حوائجه، وكان أول من سأله رد السواد ولبسه وأن يعيد دولة الاباء، فلما كان يوم السبت الذي يتلوه جلس المأمون وعليه ثياب خضر، فلما اجتمع إليه بنو العباس والقواد والكتاب وكان مجلسا عاما، فاجتمع الناس إليه فدعا المأمون بالسواد فلبسه، ودعا بخلعة سوداء ألبسها ابن طاهر (3)، ثم دعا بعدهم قوادا فألبسهم أقبية وقلانس سود، وذلك يوم السبت لسبع بقين من صفر. وكان المأمون لبس الخضرة بعد دخوله بغداد تسعة (4) وعشرين يوما.
وقيل: كان المأمون لما خرج من خراسان ووصل في عقبة حلوان قال لأحمد بن [أبي -] (5) خالد: إني لأجد رائحة العراق وقد ذكرت في هجومنا على أهل بغداد وليس معنا إلا خمسون ألف درهم مع فتنة غلبت على قلوب الناس واستبعدوها فكيف يكون إن هاج هائج، ثم قال بعد أن أطرق مليا: اعلم أن الناس على طبقات:
ظالم، ومظلوم، ولا ظالم ولا مظلوم، أما الظالم فليس يتوقع إلا عفونا، وأما المظلوم فليس يتوقع إلا أن ينتصف بنا، ومن كان لا ظالما ولا مظلوما فبيته يسعه.
ثم إن المأمون لم يزل في طلب إبراهيم بن المهدي حتى أخذه متنقبا مع نسوة فجلس ثم أحضره حتى وقف بين يديه (6)، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال أمير المؤمنين: لا سلام الله عليك استغواك الشيطان حتى حدثتك نفسك بالأباطيل وبما ينقطع منه الأعناق. فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين!