يدعوه ليقتله، فقال: نعم وكرامة ونعما عيني أجيبكم إلى ما أحببتم ولكن أمهلوني الساعة حتى أنظر حاجة وأخرج إليكم، فجلس القوم ودخل نصر بن سيار بستانا له.
وذاك في جوف الليل وكانت ليلة مظلمة. ثم دعا بصاحب دوابه فقال: أئتيني ببرذوني الفلاني، فأتاه فركب في ثلاثين غلاما (1) وترك ماله قليله وكثيره وخرج من باب البستان هاربا على وجهه إلي ناحية نيسابور. قال: وأبطأ عن الرسل فعلموا أنه قد هرب، فرجعوا إلى أبي مسلم فخبروه بذلك، فقال أبو مسلم: ذروه الان يمضي حيث يشاء، ولكن ما الذي استراب منكم؟ فقالوا: والله ما لنا بذلك من علم ولكن تكلم هذا فقال (يا موسى إن الملا يأتمون بك) ولم يتم الآية! فقال: هذا الذي دعاه إلى الهرب، قال: ثم قدم أبو مسلم لاهز بن قريظ فضرب عنقه. ثم أقبل إلى دار نصر بن سيار فانتهبها وأمر بإحراقها (2)، ثم استولى على جميع بلاد خراسان، ووجه عماله إلى جميع البلاد، فاحتوى عليها وجبى جميع خراجها.
ومضى نصر بن سيار إلى نيسابور في غلمانه وأولاده وجميع من معه من بني تميم فمضى إلى الري، ثم خرج منها يريد العراق حتى إذا صار على تسعة فراسخ من الري بموضع يقال له فسطانة (3) توفي هنالك فدفن بها، وأنشأ رجل من بني تميم يقول أبياتا مطلعها:
ألا من لنفس غاب عنها عزاؤها * ودمع لعين ما يجف بكاؤها إلى آخرها.
قال: وبلغ أبا مسلم أن نصر بن سيار قد هلك، فدعا بقحطبة بن شبيب فضم إليه جيشا يزيدون عن عشرين ألف فارس وأمره أن يتقدم إلى جرجان فيأخذها ويتقدم منها إلى غيرها! قال: فسار قحطبة إلى نيسابور فجبى خراجها وفرقه على أصحابه،