وسيفه من ضربه مفلل * كأنه البازل حين يرفل والخيل تعدو قد علاها قسطل ثم تقدم المغيرة وبين يديه رجل من الأزد وهو يرتجز ويقول:
يا معشر الأزارق النحيره * أتاكم في خيله مغيره كفاه كف بالندى مطيره * وكفه الأخرى لكم مبيره ولا يرى كبيرة كبيره * لا بل يراها عنده صغيره قال: ثم تقدم مدرك وبين يديه رجل من الأزد وهو يرتجز ويقول:
يا قطري بن الفجاءة الأنوك * أين إذا ضاق عليك المسلك تسلك والخيل عليها مدرك * لن يبرح الدهر وهذا المعرك صفكم أو تهلكوا أو نهلك قال: فاختلط الفريقان (1) واقتتلوا من وقت الضحى إلى أن اختلط الظلام، ورسل الحجاج ينظرون إلى ذلك. قال: وسقط رمح بعض الأزارقة فأخذه رجل من أصحاب المهلب فحلفت الأزارقة أنهم لا يرجعون ولا يبرحون أن يأخذوا الرمح!
وحلف أصحاب المهلب أنهم لا يردونه عليهم! واقتتل (2) القوم على الرمح من وقت اختلاط الظلام إلى الصبح حتى قتل من الفريقين جماعة، فأنشأ المغيرة بن حبناء (3) التميمي يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
ليت شعري وللأمور قرار * هل بلغنا مدى رضا الحجاج إلى آخرها.
قال: ثم أقبل المهلب على رسل الحجاج فقال: كيف رأيتم حرب الأزارقة؟
فقالوا: حسبنا ما رأينا فردنا إلى صاحبنا! فوالله ما رأينا أشد كلبا على الاسلام من هؤلاء الخوارج. قال: فخلع عليهم المهلب ورجعوا إلى الحجاج. فلما دخلوا عليه قال: كيف رأيتم المهلب في حرب عدوه؟ فقالوا: أيها الأمير! ما رأينا قط قوما أضرب بسيف، ولا أطعن برمح، ولا أرمى بسهم، ولا أعود إلى الحرب من بين