ومناجزتهم فإنه قد طاولهم. فلما ورد كتاب الحجاج على المهلب وقرأه تبسم ضاحكا ثم قال: والله ما أنا والحجاج إلا كما قال أوس بن حجر (1):
ومستعجل عما يرى من آبائنا * ولو أضجرته الحرب لم يترمرم (2) قال: فجعل ذلك الثقفي (3) يتكلم ويخطب ويحرض على القتال، فقال له المهلب: أيها الرجل! إن الحرب ليس بالكلام ولا بالخطب، ولكن اصبر حتى ترى وتنظر إلى حرب القوم! قال: ثم نادى المهلب في الناس وزحف نحو الأزارقة، واختلط القوم فجعلوا يقتتلون من صلاة الظهر إلى أن انتصف الليل. قال: وبقي الثقفي حيران لا يدري ما يقول، ثم أقبل على المهلب فقال: حسبك يا أبا سعيد!
فقال له المهلب: اصبر قليلا ولا تعجل، قال: فلم يزل القوم يقتتلون إلى وقت السحر، وكاد الثقفي يموت لما رأى. قال: وأصبح القوم فرجع عن بعضهم بعض في وقت الضحى، فأنشأ رجل من أصحاب المهلب في ذلك يقول (4):
ما زلت يا ثقفي تخطب دانيا (5) * وتغمنا بوصية الحجاج حتى إذا ما الموت أقبل زاخرا * وسما لنا صرفا بغير مزاج وليت يا ثقفي غير مناظر * تبدين (6) بين أحزة وفجاج وبنو المهلب في الغبار كأنهم * أسد لبسن يلامق الديباج ليست مقارعة الكماة لدى الوغا * شرب المدامة في إناء زجاج