أصحاب المفضل قد كان اللواء في يده ليأخذه منه، وحمل عليه المفضل فضربه ضربة ثم قال: خذها يا عمرو! أنا الغلام الأزدي. قال: فولى عمرو القنا منهزما هو وأصحابه حتى دخلوا مدينة البيضاء، وذلك في وقت المساء. فقال المهلب لابنه المفضل: ادن مني يا بني! هكذا فكن كما كان آباؤك من قبل، فأنشأ الأشرس الحرمي في ذلك يقول أبياتا مطلعها:
قل للمفضل قد شفيت نفوسا * يوم التقى الجمعان بالبيضاء إلى آخرها.
خبر سبرة (1) بن الجعد مع الحجاج بن يوسف قال: ولما بلغ الحجاج ما فيه المهلب من حرب الأزارقة وما لقي منهم فاغتم لذلك غما شديدا وامتنع من النوم وأرق ذات ليلة، فلما طال عليه ذلك دعى بصاحب حرسه فقال: اخرج فائتني بمحدث يقطع عني بعض هذه الليلة! قال: فخرج الحرسي فإذا هو برجل جسيم وسيم قد لقيه، قال له: أجب الأمير! قال: ففزع الرجل وطار عقله وأتى به حتى دخل على الحجاج، فلما سلم قال له الحجاج: إيه ما عندك! [فقال له الرجل: إيه ما عندك -] (2)، قال فقال الحجاج للحرسي:
ويلك! أمرتك أن تأتيني بمحدث فأتيتني برجل مرعوب قد ذهب عقله، أخرجه عني، أخرج الله نفسك ونفسه! فخرج الحرسي فوجد إنسانا يصلي، فقال له: كلم الحجاج! قال: فأوجز الرجل في صلاته [ثم] أتى به حتى أدخل على الحجاج، فسلم بلسان طلق ذلق (3) وقلب شديد، فقال الحجاج: ممن الرجل؟ قال: رجل من ربيعة، قال: ومن أيها؟ قال: من بني شيبان، قال: فما اسمك وابن من؟
قال: اسمي سبرة (4) بن الجعد، قال الحجاج: اجلس يا سبرة بن الجعد وأخبرني هل قرأت القرآن؟ فقال: نعم أيها الأمير لقد قرأته وجمعته في صدري، فإن عملت به فقد حفظته وإن لم أعمل به فقد ضيعته.