وأقام أهل الحياء والدين فاتقوا العار وتواصوا بالصبر، وأخذنا ما أخذوا به، وكنا أولى به منهم، فلم يزل الله تبارك وتعالى يمحصنا ويمحقهم، وينصرنا ويخذلهم، حتى بلغ بنا وبهم الكتاب أجله (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) (1)، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال: ثم طوى الكتاب ودفعه إلى بشر بن مالك بن لبيد الحرسي (2) وقال:
اعلم بأنك ترد على الحجاج من قد علمت، فإذا وقفت بين يديه فانظر كيف تكون، فقال: كفيت أصلح الله الأمير.
ذكر الرسول وكلامه بين يدي الحجاج قال: ثم رحل بشر بن مالك حتى قدم على الحجاج، فوقف بين يديه وسلم ثم ناوله الكتاب، فلما قرأه الحجاج بن يوسف رفع رأسه إليه فقال: كيف المهلب؟
فقال: بخير أصلح الله الأمير! قد نال ما رجا، وأمن ما خاف، فقال الحجاج:
الحمد لله، فكيف كان أمركم من عدوكم؟ قال: كنا إذا لقيناهم بحدنا وحدهم أيسوا منا وطمعنا فيهم، قال الحجاج: أجل، إن العاقبة للمتقين، فكيف كان بنو المهلب في الحرب؟ فقال: كانوا كفاة (3) السرح بالليل، وليوث الوغى بالنهار، قال الحجاج: فأين المهلب من بنيه؟ قال: فضله عليهم كفضلهم على غيرهم، قال: أجل، لأنهم خلقوا منه ولم يخلق منهم، قال: فكيف فاتكم قطري بن الفجاءة، قال: كادنا بعض ما كدناه به. قال الحجاج: صدقت، فأي بني المهلب أفضل؟ قال: ذلك إلى المهلب. قال الحجاج: فكيف الجند؟ قال: أرضاهم الحق وأغناهم النفل، قال الحجاج: فكيف رضاهم بالمهلب؟ فقال: لهم منه إشفاق (4) الوالد، وله منهم بر الولد، فقال الحجاج: أخبرني أكنت هيأت هذا الكلام الذي أسمعه منك؟ فقال: كلا أيها الأمير! إنه لا يعلم الغيب إلا الله!
قال: فتبسم الحجاج ثم التفت إلى كاتبه عنبسة بن سعيد فقال: هذا والله لكلام الحولى لا ما تجيء به أنت وأصحابك (5). قال: ثم أقبل عليه الحجاج فقال: هل