الفرخ من قوم رأيناهم بالأمس من الفريقين. قال: فعذر الحجاج للمهلب على إبطائه، ثم كتب إليه أن أعمل برأيك وامض (1) لما أحييت، فقد علمت أن الرأي ما رأيت.
قال: وعبى قطري بن الفجاءة أصحابه تعبية الحرب وخرج من مدينة سابور، ونظر المهلب رهج الخيل فوثب فعبى أصحابه، ودنا القوم بعضهم من بعض، وتقدم عبيدة (2) بن هلال أمام الأزارقة فجعل يدعو للبراز ويطلب النزال، فصاح المهلب بابنه مدرك فقال: يا مدرك! اكفني عبيدة! قال: أفعل - أصلح الله الأمير! ثم خرج إليه المدرك! ونظره عبيدة فحمل عليه وبادره مدرك بطعنة مدركة، فولى عبيدة وله عوي كعوي الكلب، فأنشأ المغيرة بن حبناء (3) التميمي في ذلك يقول أبياتا مطلعها:
من رأى مدركا غداة التقينا * إذ أتاه عبيدة بن هلال إلى آخرها.
قال: وكان عبيدة بن هلال قبل ذلك إذا لقي للحرب لا يولي ويقول: ما أولي دبري في الحرب ولكني أخاف النار! فلما كان ذلك اليوم وطعنه مدرك بن المهلب وولى من بين يديه ناداه مدرك: أين الفرار يا عبيدة؟ فقال: لست أفر ولكني أنحاز إلى فئة تمنعني، فأنشأ كعب بن معدان الأشقري (4) في ذلك يقول أبياتا مطلعها:
قل للمهلب إن سيفك مدرك * حامي الحقيقة مدرك الأوطار إلى آخرها.
قال: واقتتل القوم على باب سابور بيوم ذلك إلى الليل، ثم انهزمت الأزارقة حتى دخلوا إلى المدينة ورجع المهلب إلى عسكره.
فلما كان الليل وهدأت العيون وسكنت الحركات خرجت الأزارقة من مدينة سابور مع نسائهم وأموالهم وأولادهم هاربين على وجوههم حتى صاروا على مسيرة