الأزارقة في جوف الليل حتى أشرفوا على المهلب على باب سابور وعبيدة بن الهلال اليشكري أمام الأزارقة، فالتفت إلى أصحابه وقال: أيقظوا القوم لكيلا يقولوا إننا أتيناهم وهم نيام! قال: ثم جعل عبيدة يرتجز ويقول أبياتا مطلعها:
لسنا نريد غرة السبات * إن اغترار بكم من السوءات (1) إلى آخرها.
قال: فاستيقظوا الناس وصاح المهلب بأصحابه، وتصعصعت الرايات، وأجمحت الفرسان، وذاك في ليلة باردة ذات ثلج ومطر وريح منكرة. قال: وكان أول من ركب واستوى على فرسه مدرك بن المهلب، فتقدم أمام الخيل وتبعه الناس وهم يقولون: ألا! إنها روعة البيات! فاتقوا الله واصبروا! قال: ونظر مدرك بن المهلب إلى صالح بن مخراق في سواد الليل وهو يهدر كأنه الجمل الأورق، وكان من فرسان الأزارقة والمعدودين فيهم، فحمل عليه مدرك والتقيا (2) بضربتين، ضربه صالح بن مخراق ضربة على بيضته ثبت لها مدرك، ثم ضربه ضربة أداره عن فرسه، فأقعى صالح على رجليه، وتبددت خيل الأزارقة يمنة ويسرة، ثم تراجعوا واشتبك الحرب، فأصبح القوم وقد قتل من الأزارقة جماعة، فأنشأ المغيرة بن حبناء يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
نفسي فداء أخي الحفيظة مدرك * عند الثبات لوقعة كانت شجا إلى آخرها.
قال: فعظم مدرك بن المهلب من تلك الليلة في صدور إخوته وأحبه الناس حبا شديدا. وإذا عين للمهلب أقبل إليه فقال: أيها الأمير! إن أردت القوم الساعة فإن القوم قد صاروا إلى شعب بوان (3)! قال: فنادى المهلب في أصحابه فركبوا، وسار يريد القوم، ونظرت الأزارقة إلى غبار الخيل فعلموا أنها خيل المهلب فتعبوا للحرب، وإذا قطري بن الفجاءة أمام الخيل وهو يرتجز ويقول أبياتا مطلعها: