يزيد! فوالله إنك لفي ضحضاح من اللوم أقيح، ومركز من الذل أقبح، وحشاش في موضع من القبائل وما أراك منها قان الحامل، وأيم الله ما أظن أنك قمت هذا المقام، مجترئا علي هذا الكلام، حتى مزجت خمرة ذات سورة فملأت منها بطنك، وأفضت علي سبالك، وطفطفت علي شواربك، ثم دعتك نفسك إلى ما يقصر عنه باعك، ويقل دونه متاعك، وأما أنت يا باهلة! فوالله لانت المسند في محتدك، والمقهور في بلدك، المخالف في قولك، الضعيف في فعلك، وأيم الله إن لو كنت ثائرا من أحد لاستثأرت من هذا القاعد إلى جنبك وكيع بن أبي سود المتقرب إلي بقتل أخيك قتيبة بن مسلم وأصحابه، وإنما تهددكم إياي بأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أعزه الله وأيده فمن طلب شيئا فليركب. قال: ثم وثب يزيد بن المهلب فنفض ثوبه في وجوه القوم وخرج، فالتفت عدي بن أرطأة فقال: كيف رأيتم مصادر الكلام، والله لقد أفحمكم حتى رأيت وجوهكم قد ارتدت! وما رأيت أحدا منكم يقدر على إجابته. قال: ثم أقبل عدي بن أرطأة على أهل مجلسه فقال: هذا والله رجل أهل العراق وعميدها، فلله دره ودر أبيه!
ذكر قدوم يزيد بن المهلب على عمر بن عبد العزيز قال: ثم أمر عدي بن أرطأة بيزيد بن المهلب فقيد وحمل إلى عمر بن عبد العزيز (1)، فلما دخل عليه وسلم أمره بالجلوس فجلس، وسأله عمر عن الأموال التي كتب بها إلى سليمان بن عبد الملك (2)، فقال يزيد: نعم يا أمير المؤمنين إني قد كنت من سليمان بالمكان الذي قد علمت، فكتبت إليه بذلك الكتاب ليسمع به الناس، وقد علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني بما كتبت به إليه، ولا كنت أخاف أن يأتيني من قبله أمر أكرهه. قال فقال له عمر بن عبد العزيز: يا بن المهلب! دع عنك هذا، فإني ما أجد بدا من أخذك بتلك الأموال حتى تؤديها وإلا حبستك بها، فاتق الله يا بن المهلب وأد ما قبلك فإنها حقوق المسلمين ولن يسعني تركها عليك.
قال: فأبى يزيد بن المهلب بأن يقر له بشيء، فأمر به عمر فزيد في حديده، وأمر بحبسه.