الشاكرين، وأعلمك يا قتيبة بأنك إلى الشدة في دين الله عز وجل أحوج منك إلى اللين والوهن والضعف، فاشدد يديك أبا حفص بما قلدك الله تبارك وتعالى من أمر خراسان، واتبع السياسة التي رضي الله بها عن عبده الصالح ذي القرنين إذ قيل له لما بلغ مغرب الشمس (يذا الفرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) (1) فأحب الله تبارك وتعالى أن يبلوه فيما آتاه فهداه إلى طاعته ومرضاته من الحرم والقوة.
فقال: (أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا) (2)، فرضي الله بصنيعه الحسن وقص ذلك في كتابه العزيز على نبيه صلى الله عليه وسلم ليقتدي به أئمة الحق ورعاة الدين، فتدبر أبا حفص ما كتبت به إليك من موعظة العبد الصالح - والسلام عليك ورحمة الله وبركاته -.
قال: فوصل الكاب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان.
ذكر كتاب الحجاج إلى قتيبة عند وفاته قال: ومرض الحجاج مرضته التي توفي فيها، فلما أحس من نفسه الضعف وعلم أنه ميت كتب إلى قتيبة أيضا بهذا الكتاب: أما بعد يا قتيبة! فإني كتبت إليك كتابي هذا وقد اشتد وجعي، لعل الله تعالى أن يجعل علتي هذه كفارة لذنوبي، والله أحب أن أخلد في هذه الدنيا كما خلد إبليس اللعين - عليه من الله والملائكة والناس أجمعين اللعنة والخزي والبوار وسوء الدار - ولي أسوة برسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله) والأئمة الصالحين من بعده، وإني لاعلم رجالا من المنافقين سيشتد سرورهم بما لي عند الله من عداوتهم إياي على دينه وأخذ حقه منهم، وإني لاعلم رجالا يشتد لذلك جزعهم لما يتخوفون من ظهور الأعداء، وقد علمت أن الذي ينصرهم في حياتي وهو الذي ينصرهم بعد مماتي، فانظر يا قتيبة أن تكون أشد مما كنت في أمر الله وجهاد الكفار والمنافقين، واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير، أستودعك الله يا قتيبة أنت ومن معك من المسلمين حتى نلتقي نحن وأنت غدا بين يدي الرب الرحيم.
قال: ثم توفي الحجاج فكانت وفاته بالعراق ليلة الجمعة لسبع مضين من شهر