أكثر بلاد الله خيرا، وليس لها من خليج البحر إلا طريق واحد - فهذه صفتها يا أمير المؤمنين! قال: ثم قام مسلمة وانصرف إلى منزله، ودعا عمر بن عبد العزيز برجل يقال له سراقة بن عبد الرحمن التميمي فعقد له عقدا وولاه الثغر، وأمره أن لا يجاوز طرطوس إلى غيرها.
قال: وجعل مسلمة يغدو في كل يوم إلى عمر بن عبد العزيز مسلما عليه وينصرف إلى منزله. قال: وبلغ عمر أن مسلمة كل يوم يمضي ينفق على مائدته ألف درهم، فأرسل إليه عمر وسأله أن يتغدى عنده، فأجابه مسلمة إلى ذلك. قال: فأمر عمر طباخه بأطعمة كثيرة وباتخاذ العدس والبصل والزيت - وهذا كان أكثر طعامه، ثم إنه أوصى طباخه فقال: إذا جاء مسلمة وقدمت المائدة فابدأ بالعدس، ثم قدم ما بدا لك! قال: وحضر مسلمة بن عبد الملك من غد للطعام، فلم يزل عمر يحدثه ويسأله أخبار الروم حتى انتصف النهار، وجاع مسلمة جوعا شديدا، فقال عمر لطباخه: قدم المائدة فقد جاع أبو سعيد جوعا شديدا! فقدم المائدة، وابتدأ بالعدس والبصل والزيت كما أمره عمر. قال: فأكل مسلمة من ذلك العدس حتى شبع، ثم قدمت الألوان بعد ذلك فلم يأكل مسلمة منها شيئا، فقال له عمر: كل أبا سعيد! ما بالك قد رفعت يدك؟ فقال: قد شبعت يا أمير المؤمنين! فقال عمر: يا سبحان الله! فأنت تشبع من عدس، لعله إنما يقوم علينا بدرهم واحد، وينفق على مائدتك كل يوم ألف درهم، اتق الله أبا سعيد ولا تكن من المسرفين، واجعل نفقة مائدتك في بطون جائعة، فإنه أقرب لك إلى الله عز وجل، فقال مسلمة: أفعل ذلك يا أمير المؤمنين ولا أعصي لك أمرا، وانصرف مسلمة إلى منزله.
ذكر كتاب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن المهلب بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين إلى يزيد بن المهلب (1)، أما بعد يا يزيد فإن سليمان بن عبد الملك كان عبدا من عباد الله أنعم عليه ثم قبضه إليه، وقد كان استخلفني واستخلف أخاه يزيد من بعدي، وإن