الغاية! فكتب إليه المهلب: أيها الأمير! إني أنتظر بهم ثلاث خصال (1): موت صاحبهم قطري بن الفجاءة، أو فرقة وتشتيتا، أو جوعا قاتلا، وأنا أرجو أن أدرك ذلك فيهم إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العظيم.
قال: وكان الحجاج قد ظن في نفسه أن المهلب ليس بناصح في حرب الأزارقة، فدعا برجل من أصحابه يقال له عبد الله بن الجراح وكان عنده من الثقات، فضم إليه قوما من أصحابه وقال: أريد منكم أن تسيروا إلى المهلب فتقيموا عنده أياما وتنظروا إلى حرب الأزارقة وتأتوني بالخبر (2)! قال: فسار القوم حتى صاروا إلى المهلب فنزلوا عنده شهرين كاملين، فجعلوا ينظرون إلى المهلب، وأنه يعبئ في كل يوم رجلا من أولاده في أول النهار، ثم يقاتلهم بنفسه في آخر النهار، ثم أقبل على الرسل بعد ذلك فقال: انظروا هل بعد هذا من جهد؟ فقالوا: لا والله يا أبا سعيد! ولا ظن الأمير أن حرب القوم على هذا الشأن. قال: ثم رجع القوم إلى الحجاج وتقدم عبد الله بن الجراح، فلما سلم وقضى حق التسليم قال له الحجاج:
ما وراءك يا بن الجراح؟ وكيف رأيت المهلب في حرب القوم؟ فقال: أيها الأمير!
رأيت والله منه ما سرني، رأيته يحتمل المصيبة ويلقى القوم بنفسه وأولاده فيجاهدهم في الله حق جهاده. قال فقال له الحجاج: ما أحسن ثناءك على المهلب؟ فقال:
أيها الأمير! إنه كان يفعل ذلك الفعال فحقيق بالثناء.
قال: وجعل المهلب يحارب القوم حتى حاربهم بعد ذلك سنة كاملة. قال:
فكتب إليه الحجاج: أما بعد، فإنك قد طاولت العدو وجبيت البلاد، ولو شئت أن تفرغ من حرب الأزارقة لفرغت، ولكنك تحب المطاولة لجباية الأموال، فناجز القوم ولا تطاولهم - والسلام -. قال: ثم دفع الحجاج كتابه إلى رجل من ثقيف له لسان ذرب ومنطق ذلق (3) فقال له: صر إلى المهلب وانظر أن تحثه على قتال القوم