ذكر قدوم الحجاج إلى الكوفة وكلامه على المنبر قال: فلما دخل الكوفة قدم (1) أشراف الناس ينظرون إليه من كل ناحية، حتى نزل على باب المسجد الأعظم، ثم دخل المسجد الأعظم من ساعته وعلى رأسه عمامة له حمراء قد اعتجر بها، وتنكب قوسا له عربيا وهو متقلد بالسيف حتى صعد المنبر فجلس عليه، واجتمع (2) الناس حتى انغص المسجد بأهله والحجاج جالس على المنبر ما يحدر اللثام عن وجهه ولا ينطق بحرف. قال: وأهل الكوفة يومئذ ذوو هيئة وعزة وبزة ومنعة وحالة جميلة، الرجل منهم يدخل المسجد ومعه جماعة من أهل بيته ومواليه، وعليهم الخزوز وأشباه ذلك، قال: وفي المسجد يومئذ أشراف مجتمعون. قال: فتكلم رجل منهم فقال: لعن الله بني مروان حين يستعملون مثل هذا أميرا! فوالله لو كان كله كلاما لما كان شيئا! قال: والحجاج ساكت ينظر يمينا وشمالا، فلما أن رأى أن المسجد قد انغص بأهله قال: اجتمعتم؟ قال رجل منهم: نعم، قد اجتمعنا أصلح الله الأمير! فهات ما عندك، قال: فسكت الحجاج قليلا لا يأتي بجواب، فلما نظروا إلى سكوته أهووا بأيديهم إلى حصباء المسجد ليحصبوه. قال: وفطن الحجاج لذلك فقام قائما على قدميه، وخففت الطبول والاعلام على باب المسجد، وتكلم الحجاج وقال: أفعلتموها يا أهل الفتنة الداجنة! ثم سفر العمامة عن وجهه وجعل يقول:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني (3) صليب العود من سلفي نزار (4) * كنصل السيف وضاح الجبين وماذا يبتغي الاقران (5) مني * وقد جاوزت حد الأربعين