عشرين فرسخا من مدينة سابور. قال: وعلم المهلب أنهم قد تنحوا فأقام في عسكره يومه ذلك ولم يتبعهم، ثم أمر بعسكره فضرب على باب سابور، وبعث إلى أهل المدينة فأخذ منهم الخراج وعزم على أن يجعل سابور منزله وداره ويحارب الأزارقة حيث كانوا، فأنشأ رجل من أصحاب المهلب يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
قل للأزارقة الذين تحزبوا * إن التفرق أول الاخراج إلى آخرها.
قال: وجعلت الأزارقة يتباعدون من بين أيدي المهلب والمهلب لا يتبعهم، وذلك أن الشتاء هجم عليه ووقعت الثلوج والأمطار واشتد البرد فلم يتبعهم المهلب، حتى إذا انحسر عنهم الشتاء أقبل على أصحابه فقال: أيها الناس! إن بيننا وبين عدونا على ما بلغني أقل من ثلاثين فرسخا وقد انحسر عنهم الشتاء وإنما هو وجيف ليلة الخيل، فإذا القوم قد وافوا، فصاح المهلب بغلام له يقال له: مازن، فقال: يا مازن! ناد في الناس بالرحيل. قال: فنادى مازن في الناس بالرحيل. ثم سار المهلب وأصحابه فلم يشعر إلا وخيل الأزارقة قد أقبلت كأنها كواسر العقبان.
ودنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا ساعة، ثم وقعت الهزيمة على الأزارقة فانهزموا إلى الموضع الذي جاؤوا منه. فقال المهلب: الحمد لله الذي كفانا شرهم، فوالله لو فاجأونا ونحن على غير أهبة الحرب لفضحونا. قال: ورجع المهلب وأصحابه إلى سابور، فأنشأ المغيرة بن حبناء (1) يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
أكدنا ومن أرسى ثبيرا (2) مكانه * يسأل بنا لولا أتينا المهلب إلى آخرها.
قال: فبينا المهلب ذات يوم يخطب الناس بسابور وذلك في يوم النحر إذ أقبلت الأزارقة في جيش عرمرم يقدمهم عمرو القنا، قال: وبلغ ذلك المهلب، فقطع الخطبة فقال: سبحان الله! في مثل هذا اليوم وافانا هذا العدو وإنه يوسف شريف عند الله تعالى لا يحب أن تسفك فيه الدماء، غير أن الله عز وجل يقول: (الشهر لحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما