هو الشهاب الذي يرمى العدو به * والمشرفي الذي يقضي له مطر لا يرهب الموت إن النفس باسله * والرأي مجتمع والجود منتشر أحيى العراق وقد مالت دعائمه * صرامة منه لا يبقي ولا يذر ذكر خروج مسلمة بن عبد الملك إلى بلاد الروم قال: وتحركت الروم بأرض القسطنطينية وغيرها من بلاد الروم، فاجتمعوا في خلق عظيم وعزموا على مفاجأة المسلمين في دارهم، وأخذ الشام من أيديهم، وبلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فنادى في أهل الشام فجمعهم في المسجد الأعظم، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس! إن العدو قد كلب عليكم وطمع فيكم، وهنتم عليه لترككم العمل بطاعة الله تعالى، واستخفافكم بحق الله، وتثاقلكم عن الجهاد في سبيل الله، ألا! وإني قد عزمت على بعثكم إلى أرض الروم فماذا عندكم من الرأي؟ قال: فأجابه الناس بأحسن الجواب، ورغبوا فيما رغبهم فيه من الجهاد وعزموا على ذلك. قال: فعندها أمر عبد الملك بن مروان فكتب له أربعة كتب، كتاب منها إلى أبان بن عثمان - وهو عامله على الحجاز - أن يوجه إليه برؤساء أهل الحجاز وفرسانهم، وكتاب إلى علقمة بن مرداس الخولاني - وهو عامله على اليمن - أن يوجه إليه بفرسان أهل اليمن، وكتاب إلى أخيه عبد العزيز بن مروان - وهو عامله على بلاد مصر - أن يشخص إليه بنفسه في أجناد أهل مصر، وكتاب إلى الحجاج بن يوسف، أن يوجه إليه بأجناد العراق.
ثم كتب أيضا إلى أخيه محمد بن مروان وإلى ابنه مسلمة وهما يومئذ في بلاد أرمينية وأذربيجان فأشخصهما إليه في جميع من معهما من أجنادهما.
قال: فلما اجتمع الناس من جميع الأمصار قام فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إنكم قد علمتم ما ذكر الله عز وجل في كتابه من فضل الجهاد، وما وعد الله عليه من الثواب، ألا! وإني قد عزمت أن أغزو بكم غزوة شريفة إلى أليون (1) صاحب الروم فإنه قد طغى وبغى، وقد بلغني أنه قد جمع للمسلمين جموعا كثيرة وعزم على غزوكم ومفاجأتكم في دياركم، وقد علمت أن الله تعالى مهلكه ومبدد شمله وجاعل دائرة السوء عليه وعلى أصحابه، وقد جمعتم من كل بلد وأنتم أهل البأس والنجدة والشجاعة والشدة، وأنتم من قام لله بحقه ولدينه.