ثم أمر مسلمة أصحابه بالغرس فغرسوا الأشجار من الكروم وأنواع الفواكه، وعزموا على المقام هنالك إقامة من لا يريد الرجوع إلى بلاد الاسلام أبدا. قال:
وليس من يوم إلا والحرب يقع بين المسلمين والكفار، فيقتل من الفريقين وينتصف بعضهم من بعض، وكلما اجتمع عند مسلمة شيء من الغنائم يخرج منها الخمس فيوجه به إلى أبيه عبد الملك بن مروان ويقسم باقي ذلك في المسلمين.
وههنا تقع أخبار يزيد بن المهلب وما كان من أمره ثم نرجع إلى أخبار قسطنطينية وانصراف المسلمين عنها إن شاء الله تعالى قال: فكان مسلمة بن عبد الملك مقيما بأرض الروم ويزيد بن المهلب يومئذ بخراسان، وقد أحبه الناس حبا شديدا ومالوا إليه بالسمع والطاعة، حتى أنهم كانوا لا يحلفون إلا بحياته مثلا، فأقام يزيد بذلك ما شاء الله أن يقيم، ثم إنه تغير على بني عمه وغيرهم من أجناد خراسان، فجعل يبغضهم ولا يقبل فيهم وصية أبيه، حتى أبغضه أهل خراسان وجعلوا ينظرون إليه بغير العين التي كانوا ينظرون بها إليه قبل ذلك، ثم أنشأ منهم في ذلك يقول (1):
وما كنا نؤمل من أمير * كما كنا نؤمل من يزيد فأخلف ظننا فيه وقدما * زهدنا في معاشرة الزهيد إذا لم يعطنا نصفا أمير * مشينا نحوه مثل الأسود ولا يرضى الدناءة غير نكس * قضيب الباع يرهب للوعيد نجيء فلا نرى إلا صدودا * على أنا نسلم من بعيد فنرجع خائبين بلا نوال (2) * فما بال التجهم (3) والصدود فمهلا يا يزيد ومل إلينا * وذرنا من صنيعك بالعبيد