ينادون بالتحكيم لله إنهم * رأوا حكم عمرو كالرياح الهوائج وحكم ابن قيس مثل ذلك فاعصموا * بحبل شديد الفتل (1) ليس بناهج ولا خير في الدنيا إذا الدين لم يكن * صحيحا ولم يصمد لقصد المخارج قال: فلم قرأ الحجاج هذا الكتاب تغير لونه ووجهه، ثم رماه إلى كاتبه (2) وقال: هذا كتاب سميرنا الشيباني وكان من الخوارج ولم نعلم. قال: ثم جعل الحجاج يعض أنامله ويتأسف على ما فاته من قتله.
ثم رجعنا إلى أخبار الأزارقة قال: وأصبحت الأزارقة ذات يوم فخرجوا عن مدينة البيضاء إلى حرب المهلب وأصحابه في تعبية لم ير (3) مثلها قبل ذلك، وزحفوا حتى جعلوا مدينة البيضاء من ورائهم، وتقدم رجل منهم من بني ضبة يقال له زياد فجعل ينادي: يا معشر المحلين! هل من مبارز! قال: فصاح المهلب برجل يقال له الرقاد بن عمرو (4) فقال له: يا رقاد! أكفنا هذا الفارس! فقال: أفعل أصلح الله الأمير ولو أمرتني بالبراز إلى من هو أعظم خطرا منه. ثم حمل الرقاد بن عمرو على زياد الضبي، فطعنه طعنة خر منها قتيلا. قال: ونظرت الأزارقة إلى زياد الضبي قد سقط فضجوا بالبكاء، ثم انهم استماتوا فجعلوا يقاتلون أشد القتال إلى أن اختلط الظلام ثم تحاجز الفريقان وقد انتصف منهم خيل المهلب، فأنشأ كعب بن معدان الأشقري (5) يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
ولما بدت خيل تنادي * بأن الصياح للأعادي إلى آخرها.