وهو يرتجز ويقول شعرا (1). قال: فلم يشعر الأزارقة ومدرك بن المهلب قد وافاهم في خيله (2)، فلما نظروا إليه رجعوا إليه، فجعل رجل منهم يرتجز ويقول (3):
أكل يوم يبعث المهلب * خيلا عليه من بنيه أغلب ليس لنا في الأرض منه مهرب * لا شيء إلا الموت وإلا فاهربوا قال: فحمل عليهم مدرك بن المهلب في خيله، فقتل منهم من قتل واستنقذ السرح، وانهزمت الأزارقة وتركوا عامة أموالهم، فرجع مدرك بأسلاح وأسلاب القوم إلى العسكر، فقال له المهلب: ما فعلت يا بني؟ فقال: استنقذت السرح وجئت بعامة أسلاب القوم، فقال: ولم فاتك أحد منهم لم تقتله؟ فقال: أصلح الله الأمير! لقد قاتلت القوم أشد القتال، ولولا ذلك لما قدرت على السرح. فقال المهلب: هيهات يا بني! كل امرئ (4) لا أليه بنفسي فهو ضائع! فقال له رجل من أصحابه (5): أصلح الله الأمير! لئن كنت لا تريد من الرجال إلا مثلك فلا والله ما فينا من يساوي شسع نعلك، قال: ثم أنشأ ذلك الرجل يقول أبياتا مطلعها:
قل للمهلب والسياسة كاسمه * إن كنت تطلب للسياسة مثلكا إلى آخرها.
قال: فبينا المهلب نازل على باب إصطخر محاصرا للأزارقة إذ خرجوا في جوف الليل يريدون الهرب منها إلى المدينة البيضاء (6)، وذلك أنهم قد أكلوا جميع ما كان بمدينة إصطخر فخرجوا عنها هاربين، واتصل الخبر بالمهلب، فنادى في