قال: ثم اجتمعت القراء الذين في عسكر ابن الأشعث إلى الحسن بن يسار (1) البصري، والحسن يومئذ مقيم بالمفتح فقالوا له: يا [أبا] سعيد: هات ما عندك وتكلم بما ترى! فقال الحسن: إني أرى أنها فتنة صماء، وذلك أنكم لم تختلفوا في رب ولا نبي ولا كتاب ولا قبلة، فرحم الله عبدا اتقى ربه ونظر ليوم معاده! قال:
فقال له الناس: أبا سعيد! فما أغنى عنا كلامك. فكف عنا يرحمك الله! أيقتل منا مثل أبي البختري الطائي وعبد الله بن شداد بن الهاد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وتقول هذه المقالة! إليك عني فما أنت إلا رجل مرائي مداهن.
ذكر الأسارى ومن قتل منهم صبرا يوم المفتح قال: ثم أمر الحجاج أن تقدم إليه الأسارى! فأول من قدم إليه منهم الفضل بن مروان مولى بني البكاء وكان شريفا في الموالي، فقال له الحجاج:
أفضل؟ قال: نعم، قال الحجاج: خبرني عنك، ألم أستعملك؟ قال الفضل:
بلى استعبدتني، قال الحجاج: ألم أكرمك؟ قال الفضل: بل أهنتني! قال الحجاج: والله لأقتلنك! قال الفضل: والله لأخاصمنك في دمي إلى ربي، قال الحجاج: إذا أخصمك، قال الفضل: الحكم إلى غيرك! فقال الحجاج: اضربوا عنقه.
قال: ثم أتي بالطفيل بن حكيم الطائي فقال له الحجاج: أطفيل؟ قال: نعم يا حجاج! طفيل، قال: ألم تقدم العراق أعرابيا لا يفرض لمثلك ففرضت لك؟ قال طفيل: بلى، قال الحجاج: فما أخرجك علي؟ فقال: أبا محمد! إن رأيت أن تأذن لي حتى ألحق بأهلي! فقال الحجاج: وأنت مشتاق إليهم؟ فقال: نعم يا حجاج!
فقال: ذهب والله عقل الرجل! سواء علي قتلت هذا أو قتلت مجنونا، خلوا عنه، قال: فكان ابن عياش (2) يقول: والله لقد كان طفيل بن حكيم من أعقل الناس وأدهاهم، ولكنه أوهم الحجاج أنه قد ذهب عقله، فأفلت من يده.
قال: ثم قدم إليه أعشى همدان، فلما نظر إليه الحجاج قال: يا عدو نفسه!
ألم أقدم العراق فأكرمتك، وقبلت شعرك، وجعلتك إمام قومك، وقدمتك عليهم في