ذكر وفاة المهلب بن أبي صفرة ووصيته عند موته قال: وحضرت المهلب بن أبي صفرة في تلك الأيام الوفاة (1) وهو يومئذ بمدينة مرو الروذ، فدعا ببنيه فأجلسهم بين يديه فقال: يا بني! إني أوصيكم (2) بتقوى الله وصلة الرحم، فإن تقوى الله يعقب الجنة، وصلة الرحم تنسئ في الاجل وتثري المال، وتجمع الشمل، وتكثر العدد، وتعمر الديار وتعز الجانب، وأنهاكم عن معصية الله وقطيعة الرحم، فإنها تعقب الذلة، وتورث القلة، وتقل العدد، وتفرق الشمل، وتدع الديار بلاقع، وتذهب بالمال، وتبدي العورة، وعليكم يا بني بإكرام قومكم، فإنه ليس لكم عليهم فضل، بل الفضل لهم عليكم إذ سودوكم وفضلوكم على أنفسهم، فانظروا إن سألوكم فأعطوهم، وإن شتموكم فاحتملوهم، واحذروا الجواب، واتقوا زلة اللسان، فإن الرجل تزل قدمه فيقوم من زلته، ويزل لسانه فيكون فيه هلكته، يا بني! اصطنعوا المعروف وحبوه، وانهوا عن المنكر واجتنبوه، وآثروا الحق على الباطل، والجود على البخل، والعرب على ما سواهم، وسودوا كباركم، وعرفوا فضل ذوي أنسابكم، يعظم بذلك منازلكم، وارحموا صغيركم، ووقروا كبيركم، وأجيروا يتيمكم وعودوا عليه بما قدرتم، وخذوا على أيدي سفهائكم، وتعاهدوا فقراءكم وجيرانكم، واصبروا للحقوق ونوائب الدهر، وعليكم في الحرب بالأناة والتؤدة عند اللقاء، وإياكم والطيش والعجلة! والزموا الطاعة والجماعة، وإياكم والخلاف والفرقة! وعليكم بحفظ القرآن والسنن والفرائض!
وتأدبوا بآداب الصالحين من سلفكم، ولا تجالسوا أهل الدعارة والريبة، وإياكم والخفة والخوف في مجالسكم! وإياكم وكثرة الكلام في غير حاجة! فإنه لا يكاد يسلم صاحبه، وأدوا ما يجب عليكم من حق الله، واعلموا يا بني أني قد أبلغت إليكم في وصيتي، وجعلت لله الحجة عليكم في تركها، والثواب من الله على المحافظة عليها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال: ثم توفي بمرو الروذ فقبره (3) بها، فقال فيه نهار بن توسعة هذين البيتين: