يتبطح أهل الشام في فيئكم، والله لقد أدنوني وأقصوكم، وأكرموني وهانوكم، ورفعوني ووضعوكم، يا أهل خراسان! أتيتكم وأنتم رجلان: رجل قد نزع سنان رمحه فجعله محراثا يحرث به، ورجل منكم على حربه إن هدرت هدر وإن سكنت استقر، لباسكم العباء، وطعامكم الخشب، فأطعمتكم الجرمق، وألبستكم النرمق، وبصرتكم ما لم تكونوا تتناولونه قبل ذلك، فنطقت فيكم الشعراء، وتفوهت فيكم الأدباء. خرجتم مع ابن الأشعث ثم أتيتموني خائفين من سيف الحجاج فآمنتكم وكففت عنكم، حتى إذا تم لكم الامن وأمنتم النقمة أشرتم وبطرتم النعمة، فأنشأتم تضربوني في الأمثال وتمنون الأماني، والله أن لو شئت لكنت أعز العرب دعوة وأكثرها ناصرا بما قد أفاءه الله علي. ثم قال: أين رماة الحدق! فقام أبناء ملوك السغد وأبناء ملوك الترك والطراخنة والبرقش وأبناء ملوك بخارستان وغيرهم من أبناء ملوك خراسان، وهم يومئذ زيادة على عشرة آلاف غلام لا يسقط لاحد منهم سهم. قال قتيبة: هؤلاء أعظم الأعاجم أخطارا، وأكرمهم نجارا، وأضرب منكم بالسيوف، وأثبت منكم عند اللقاء. قال: فسكت القوم فما أجابه أحد بشيء من ذلك، فازداد غضبه، ثم سكت وتنحى عن موضعه ذلك ودخل إلى رحله، ونهض الناس مزمعين (1) على حربه وقتله.
ذكر مقتل قتيبة بن مسلم واجتماع أصحابه على ذلك قال: ثم إنهم مشوا إلى الحضين بن المنذر فقالوا له: يا أبا محمد (2)! هل لك أن نوليك أمورنا إلى أن يقدم علينا أمير من عند سليمان بن عبد الملك ويكفينا أمر قتيبة، فقد تعدى طوره وجاوز قدره، فقال الحضين: لا حاجة بي في ذلك، فقالوا: ولم؟ قال: لان مضر خراسان إنما ثلاثة أخماس (3)، بنو تميم خاصة الجيش وأكثرها فرسان، فهم لا يرضون أن يكون في غيرهم، وأخرى فإنكم إن أخرجتموهم من هذا الامر أعانوا قتيبة عليكم. قال فقالوا له: يا أبا ساسان! إن قتيبة قد وتر بني تميم بقتل ابن الأهتم (4) فقال: صدقتم ولكنهم يتعصبون للمضرية.