لعمرك ما أخطأ المهلب رأيه * فلا عاش فينا بالخطأ المهلب ولا ضن (1) عنا في اللقاء بنفسه * ولا ببنيه حين قال ألا اركبوا فآسوا رجالا قد وفتكم نفوسهم * بأنفسكم حفوا إليها وأعقبوا فما كان إلا القول حتى كأنهم * أسود بأكناف العرين تلهب لكل امرئ من كرة الخيل نوبة * يطاعن بالرمح القويم ويضرب إذا ما قاها جاء آخر بعده * فكل لكل في العجاجة معقب فلا ينثني إلا وثغرة نحره (2) * تسيل دما والرأس فيه ملحب فلولا بنوه في اللقاء وصبرهم * لقلنا لفرسان الأزارقة اذهبوا لكم كل ما كان المهلب حازه * من الأرض فاجبوه ولا تتهيبوا قال: فلما قرأ الحجاج هذه الأبيات جعل يقول: والله ما يختلج بقلبي أن قوما يثبتون لمثل هذه الحروب، ولكني أحب أن أوجه بقوم ليأتوني بحقيقة ما يرون من حرب هؤلاء الأزارقة، فوالله لو كانوا من حجارة أو حديد لما زادوا. قال: ثم دعا الحجاج بعبد الاعلى بن عبد الله بن عامر بن كريز وبعبد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب (3) وبجماعة من قريش فجهزهم، وقال: أريد منكم أن تسيروا إلى المهلب وتعلموا لي علمه وتأتوني بحقيقة أمره، فإنه قد عظم علي أمر هؤلاء الأزارقة، فقالوا: نفعل ذلك أيها الأمير.
قال: ثم سار القوم حتى قدموا على المهلب، والمهلب يومئذ نازل على باب سابور في عسكره، فلما رآهم رحب بهم وقربهم ثم سألهم عن حالهم، فقال له بعضهم: أبا سعيد! إن الأمير الحجاج قد كره مطاولتك لهذا العدو وقد أحب منك المناجزة لهم لكي يشغلك بغيرهم. قال: فسكت المهلب ساعة ثم رفع رأسه فقال: إنما أنا والحجاج كما قال الأول:
أبلغ أبا مالك عني مغلغلة * إن الكتائب لا تهزمن باللعب ثم أقبل عليهم فقال: إن الأمير أكرمه الله أتاه السماع فقبله وأتاه العيان فرده،