قال: فدنا القوم بعضهم من بعض، وتقدم خاقان ملك الترك وهياطلتهم.
قال: فالتفت قتيبة إلى رجل من أصحابه يقال له وكيع بن أبي سود التميمي، فقال:
يا وكيع! كم تقدر هؤلاء الكفار يكونوا؟ فقال: أيها الأمير! أقدر أنهم يزيدون على ثمانين ألفا، فقال قتيبة: صدقت، قد خبرت أنهم سبعة وثمانون ألفا ولكن ما عندك الان فيهم؟ فقال وكيع: أيها الأمير! عندي كل ما تحبه مني، فقال قتيبة أحسنت، ولكن لا تعجل بالحملة حتى أنظر ما يكون. قال: ثم تناوش القوم ساعة وكانت بينهم مناولة فأخذت السيوف من الكفار مأخذها فقتل منهم جماعة ثم التفت وكيع إلى قومه من بني تميم فقال: يا معشر المسلمين! انظروا من كان منكم يريد الموت فليتبعني، وكان كارها فليثبت في مكانه. قال: فأجابته بنو تميم بأحسن الجواب، فتقدم وكيع في زهاء عشرة آلاف من بني تميم ومواليهم، وساعدتهم بنو بكر بن وائل، وقصرت عنهم قبائل العرب من اليمن حسدا منهم لهم، فلم يساعدوهم على القتال. قال: فدنت منهم الترك فاقتتلوا قتالا شديدا، واختلط القووم من وقت بزوغ الشمس إلى زوالها، ثم صاح وكيع بن أبي سود بأصحابه وحمل وحملوا معه حملة منكرة، وصدقوهم الضرب والطعن، فولت الترك من بين أيدي المسلمين وأخذهم السيف، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وانهزم الباقون أقبح الهزيمة، فأنشأ نهار بن توسعة التميمي يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
لعمري لقد فازت تميم بذكرها * وسائر أحياء العراق وقوف إلى آخرها.
قال: ومضت الترك والسغد هاربين على وجوههم نحو الجبال والغياض قد ألقى الله تبارك وتعالى الخوف والرعب في قلوبهم.
ذكر غنائم بيكند وما وجد في خزائنها قال: ودنا قتيبة من مدينة بيكند فنزل عليها، ولم يزل محاصرا لها حتى فتحها بالسيف، فقتل مقاتلتها وهدم سورها حتى وضعها بالأرض ثم جمع غنائمها، فأخرج منها الخمس فوجه به إلى الحجاج، وكتب إليه يخبره بفتح بيكند، ثم قسم باقي الغنائم في المسلمين. قال: وقوي المسلمون بما أصابوا من غنائم بيكند، وتنافسوا في شراء السلاح حتى بلغ الرمح سبعين درهما، وبلغ الدرع سبعمائة درهم، وبلغت السيوف أثمانها على أقدارها، قال: وجلبت إليهم الدواب من كل بلد،