جمعت أمر الثغر جميعا، وأسأت أيضا حين هزمت أصحاب الحجاج بدجيل (1) ولم تنزل الأهواز فتبعث إلى البلاد فتأخذها وتترك الحجاج ههنا يموت جزعا، والآن فإن الرأي عندي أن تترك المربد (2) وتضرب فيه عسكرك وتخندق على نفسك خندقا، فإن الحجاج قد نزل الزاوية (3)، فإن جاءتك خيل من قبله أخرجت إليها خيلا مثلها، قال: فقال له عبد الحميد بن المنذر بن الجارود: ويحك يا أبا جهضم! أتخندق خندقا على المربد وفيه دور بني أمية ودور الأزد ودور عبد القيس! لا والله ما هذا برأي! قال: فغضب عباد بن الحصين ثم قال: ويحك يا عبد الحميد! إن الامر عندنا أعظم من أن ينظر في الدور، إن غلبنا الحجاج فما أقدرنا على الدور! فقال عبد الحميد: لا ولكني أرى من الرأي أن تنزل الخريبة (4) فتعسكر بها ثم تقاتل عن البصرة كلها، قال: فوقع هذا الرأي بقلب ابن الأشعث فأخذ به. ثم نزل الخريبة فعسكر بها، ثم خندق على نفسه خندقا، وصار إليه أشراف الناس من قريش وسائر العرب، وعزم الحجاج على حربه.
وهذه الوقعة الثانية بالبصرة بين ابن الأشعث وبين الحجاج بن يوسف قال: ودنا (5) القوم بعضهم من بعض، والحجاج يومئذ في ثلاثة وعشرين ألفا من أهل الشام ومن تبعه من أهل العراق، وابن الأشعث في زهاء عن ستين ألفا.
قال: وجعل الحجاج يقول لأصحابه: أيها الناس! إن حدث بي حدث فأميركم من بعدي حكم بن أيوب (6) بن الحكم، فإن أصيب فسفيان بن الأبرد الكلبي، فإن أصيب فيزيد بن هبيرة المحاربي. قال: فزحف الناس بعضهم إلى بعض فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل من أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث خمسمائة نفر من أشد أصحابه، منهم: عطية بن عمرو العنبري، والحريش بن هلال السعدي،